مطروحة في أذهان قرائه، بالرغم من تشديده أيضًا على الحاجة إلى مثل هذه العقيدة في الإنسان. وقد سبق لنا أن التقينا بهذا الكاتب التونسي يدافع عن الحرية الفكرية في مؤتمر الكتاب العرب في القاهرة (٧٢). لقد أثار سخطه الكثير مما سمعه هناك، فكتب فيما بعد سلسلة من المقالات عن الخطر الكامن في نزعة الفكر العربي الحديث. وفيها يلاحظ أن وعي العرب الجماعي قد مر بثلاثة أطوار في العصر الحديث، منتقلًا من فكرة الجامعة الإسلامية إلى فكرة العروبة إلى فكرة القومية الجديدة، وأن هذه الفكرة الأخيرة تختلف عن الفكرتين الأخريين في أنها ترتكز إلى اللغة لا إلى الدين، وأنها على اهتمامها بالعدالة الاجتماعية، ترفض أو تتجاهل العقيدة في الإنسان، تلك الكامنة في مبادئ الإسلام الأساسية، وهي لذلك تنزع إلى «دمج الإنسان بالمجتمع دمجًا متسرعًا وتامًا يجعل من الإنسان في ذهنيته وتصرفه وفكره، وحتى في أخلاقه، مسيرًا بالمجتمع»(٧٣).
في وجه هذه الفكرة يرتفع صوت محمود مسعدي ليعلن عن إيمانه «بعقيدة إنسانية، عربية إسلامية، مؤهلة للبقاء، هي عقيدة الإسلام في الإنسان الجديرة بالاعتبار»، وليعلن أيضًا عن اقتناعه بأن حرية الإنسان تتعدى حدود كل تسيير اجتماعي واقتصادي.
إنه لمن الصعب الجزم بما يعنيه هذا الموقف. هل هو بدء محاولة جديدة للخوض في خضم قضايا الإسلام الصميمة، أم أنه مجرد تعبير عن الاحترام الذي يكنه مسلم عربي لعقيدة لا تزال عزيزة على قلبه وتذكره بعظمة الماضي، وإن لم تعد قادرة على صياغة قوانين حياته.