للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الثَّانِي: لَا بُد أَن يضمن الشُّهُود فِي الرَّسْم معرفَة صغر الْمحبس عَلَيْهِ لِئَلَّا يقوم عَلَيْهِ قَائِم وَهُوَ كَبِير فَيَقُول لَهُ: لم يتَصَدَّق عَلَيْك إِلَّا وَأَنت كَبِير وَلم تحز، وَيَقُول هُوَ: كنت صَغِيرا، وَقد اخْتلف فِي قَول أَيهمْ يقبل، وَالظَّاهِر أَنه يقبل قَول الصَّغِير لِأَنَّهُ يَدعِي الصِّحَّة فَإِن مَاتَ الْأَب بعد بُلُوغ الابْن وَالْحَبْس أَو الْهِبَة بِيَدِهِ فَإِن كَانَ الابْن مَعْرُوف الرشد وَقت بُلُوغه بَطل، وَإِن كَانَ مَعْرُوف السَّفه صَحَّ، وَإِن كَانَ مشكوكاً وَمَضَت لَهُ سنة من موت الْأَب بَطل قَالَه فِي هبات المعيار. وَإِذا بلغ بَعضهم وَلم يبلغ الْبَعْض الآخر حَاز الْكَبِير لنَفسِهِ وللصغار بوكالة الْأَب، وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَنهم محمولون على السَّفه حَتَّى يتَبَيَّن الرشد وَهُوَ ظَاهر قَوْله تَعَالَى: فان آنستم مِنْهُم رشدا} (النِّسَاء: ٦) وَعَلِيهِ فَإِذا مَاتَ الْأَب بعد الْبلُوغ لَا تبطل الْهِبَة قَالَه أَبُو الْحسن. وَقَوله: بوكالة الْأَب لَا مَفْهُوم لَهُ، وَقَوله: لَا تبطل الْهِبَة يَعْنِي حَتَّى يمْضِي لَهُ عَام من يَوْم موت الْأَب كَمَا مر، وَقَوْلهمْ: إِذا رشد وَلم يحز لنَفسِهِ بَطل مَحَله إِذا لم يكن الْأَب قدم من يحوزه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَينفذ التحبيس فِي جَمِيع مَا. الخ. الثَّالِث: إِشْهَاد الْوَلِيّ بِالْحَبْسِ على مَحْجُوره لَا بُد مِنْهُ وَذَلِكَ حوز لِابْنِهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يَقُول: رفعت يَد الْملك وَأثبت يَد الْحَوْز، وَلَا إِلَى أَن يَقُول الموثق وَحَازَ لَهُم إِلَى أَن يبلغُوا مبلغ الْحَوْز كَمَا فِي المعيار وَابْن سَلمُون فِي فصل الصَّدَقَة وَيتم حوزه لَهُ بعد الْإِشْهَاد بِصَرْف الْغلَّة فِي مصَالح ابْنه تَحْقِيقا أَو احْتِمَالا، فَإِن علم أَنه كَانَ يصرف الْغلَّة فِي مصَالح نَفسه دون مصَالح ابْنه بَطل، وَالْعلم بذلك إِنَّمَا هُوَ بِإِقْرَارِهِ أَو بِقَرِينَة كَمَا فِي الدّرّ النثير، فَإِذا أقرّ أَنه صرفهَا لنَفسِهِ أَو فِي مصَالح ابْنه فَإِنَّهُ يصدق وَتُؤْخَذ من تركته فِيمَا إِذا قَالَ: إِنَّهَا مَوْضُوعَة تَحت يَده قدرهَا كَذَا فَإِن لم يقر بِشَيْء حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مَحْمُول على أَنه صرفهَا لِابْنِهِ، وَكَذَا يُقَال فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة، وَمَا للشَّيْخ الرهوني فِي بَاب الْهِبَة مِمَّا يُخَالف هَذَا لَا يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهِ. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْهِبَة وَقد أَفْتيت فِي بَيِّنَة جَاءَت من سجلماسة شهِدت بِأَن الْمحبس كَانَ ىأكل غلَّة مَا حَبسه على صغَار بنيه بِمَا نَصه: هَذِه الْبَيِّنَة قد أجملت فِي مُسْتَند علمهَا هَل كَانَ ذَلِك بمحضرها أَو بِإِقْرَارِهِ لَدَيْهَا، وَلَا يتم أَن يكون ذَلِك بمحضرها إِلَّا إِذا كَانَت تصاحبه فِي أوقاته كلهَا وَذَلِكَ مُتَعَذر، وَلذَا قَالَ ابْن لبَابَة: هُوَ من الْغمُوس الَّذِي لَا يجوز، وَأَيْضًا فَإِن قَوْلهَا ذَلِك مهمل مِمَّا لَا يدل على تَعْمِيم أَو تبعيض، وَمَا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ مَحْمُول على التَّبْعِيض لِأَنَّهُ الْمُحَقق وَغَيره مَشْكُوك، فَيكون الْمَعْنى أكل بعض ثمره أَو زرعه، وعَلى أَنه أكل الْجَمِيع فَيحْتَمل أَن يكون أكل الْجَمِيع فِي بعض السنين دون بعض، وَهَذَا الْبَعْض إِمَّا الجل أَو النّصْف أَو الْأَقَل وَلَا يبطل شَيْء من العطايا باستغلال الْأَقَل فَلَا يبطل الْحَبْس الْمَذْكُور إِلَّا بِثُبُوت أكل الْجَمِيع أَو الْأَكْثَر وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ وَالله أعلم. ثمَّ أَن الْإِشْهَاد شَرط صِحَة فِي التَّبَرُّعَات من حَيْثُ هِيَ وَفِي كل مَا كَانَ من غير عوض كالتوكيل وَالضَّمان وَنَحْوهمَا، وَلَا يخْتَص الْإِشْهَاد بالتبرع على الصَّغِير فَقَط إِذْ لَا معنى لكَونه شرطا فِي الصَّغِير دون الْكَبِير كَمَا قد يتَبَادَر، وَحِينَئِذٍ فَإِذا قَالَ: حبست أَو تَصَدَّقت أَو وكلت أَو أوصيت وَلم يقل اشْهَدُوا عَليّ بذلك وَلم يفهم من حَاله أَنه قصدهم إِلَى الْإِشْهَاد عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصح شَيْء من ذَلِك، وَكَذَا لَو كتب ذَلِك وَلم يشهدهم عَلَيْهِ فَلَا ينفذ شَيْء مِنْهُ لِأَنَّهُ قد يَقُول أَو يكْتب وَهُوَ غير عازم على شَيْء من ذَلِك كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْوَصِيَّة. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: مثله فِي الرجل يَقُول لوَلَده: أصلح نَفسك وَلَك كَذَا فَإِنَّهُ إِذا لم يشْهد لَا شَيْء لَهُ لاحْتِمَال أَنه يُرِيد التحريض

<<  <  ج: ص:  >  >>