للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هَذَا الْأَمر فِي لصوص أهل الْحجاز وبرابر برقة فَقَالَ: تجوز عَلَيْهِم شَهَادَة من لَقِيَهُمْ من النَّاس، فَقيل لَهُ: إِنَّهُم غير عدُول. قَالَ: وَأَيْنَ يُوجد الْعُدُول على مَوَاضِع السَّارِق واللص، وَإِنَّمَا يتبع اللص وَالسَّارِق الخلوات الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْعُدُول. وَقَالَهُ مُحَمَّد بن سَحْنُون اه. وَنَحْوه فِي تَنْبِيه الغافل قَائِلا: تقبل شَهَادَة غير الْعُدُول على السَّارِق سَوَاء كَانَ الشَّاهِد رجلا أَو امْرَأَة وَلَو لم يغرم السَّارِق واللص إِلَّا بِشَهَادَة الْعُدُول لم يغرم السَّارِق أبدا، ثمَّ قَالَ: لَو شهد عَلَيْهِ وَاحِد يحلف صَاحب الْمَتَاع مَعَه وَيسْتَحق قَالَ: إِن كَانَ مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وكل مَوضِع لَا يُمكن فِيهِ حُضُور الْعُدُول فالشهادة على التوسم بِظَاهِر الْإِسْلَام جَائِزَة احْتِيَاطًا لأموال النَّاس، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب قسَامَة بِغَيْر عدل تجب الخ فَهُوَ شَاهد لذَلِك. وَهَذَا كُله شَاهد لما تقدم من الْعَمَل الْمَذْكُور إِذْ شَهَادَة غير الْعُدُول كَالْعدمِ فِي نظر الشَّرْع، وَلَكِن اعتبروها فِي هَذَا الْمحل احْتِيَاطًا للأموال، وَبِه تعلم أَن اعْتِرَاض الشَّيْخ مصطفى فِي أَوَائِل الشَّهَادَات من حَاشِيَته على مَا تقدم عَن المازونية، ونوازل ابْن سَحْنُون قَائِلا ذَلِك كُله خلاف الْمَشْهُور لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن اعتراضه مَبْنِيّ على الْمَشْهُور، وكلامنا الْآن فِي الْمَعْمُول بِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ بِنَفسِهِ نقل عَن الذَّخِيرَة وَغَيرهَا أَنا إِذا لم نجد فِي جِهَة إِلَّا غير الْعُدُول فَإنَّا نجوز شَهَادَة أقلهم فجوراً والأمثل فالأمثل لِئَلَّا تضيع الْمصَالح والحقوق. وَقَالَ: وَمَا أَظن أحدا يُخَالِفهُ فَإِن التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان الخ. وَلَا شكّ أَن مَوَاطِن الخلوات الَّتِي يقصدها الغصاب والسراق لَا يُوجد فِيهَا فِي الْغَالِب إِلَّا من ذكر من الرُّعَاة وَنَحْوهم فهم أمثل من وجد فِي تِلْكَ المواطن فَتجوز شَهَادَتهم للضَّرُورَة لِئَلَّا تضيع الْحُقُوق كَمَا جَازَت شَهَادَة الأمثل غير الْعُدُول لذَلِك وَعَلِيهِ فَمَا مر عَن المازونية وَغَيرهمَا جَار على الْمَشْهُور، وَإِنَّمَا يعْتَبر الأمثل إِذا وجد مَعَ غَيره وإلَاّ لم يعْتَبر إِذْ التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان، وَمن قَالَ ذَلِك إِنَّمَا قَالَه لعدم إِمْكَان الْعُدُول فِي تِلْكَ المواطن كَمَا رَأَيْته ومراعاة الِاحْتِيَاط لأموال النَّاس كَمَا تقدم عَن تَنْبِيه الغافل فَلَا يَصح الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم، والقائلون بِالْعَمَلِ الْمَذْكُور إِنَّمَا بنوه على مُرَاعَاة تِلْكَ الْمصَالح والضرورات ومراعاة الْعرف فِي زمنهم كَمَا مّر، وَرَأَوا أَن الشُّهْرَة بِالْفَسَادِ تنزل منزلَة التَّحْقِيق وَأَن ارْتِكَاب الْمَشْهُور فِي الزَّمَان الَّذِي غلب على أَهله الْفساد يُفْضِي إِلَى سفك الدِّمَاء وغصب الْأَمْوَال كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان، وَقَول الشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسي فِي بعض فَتَاوِيهِ: إِن نَوَازِل ابْن سَحْنُون مطعون فِيهَا إِن كَانَ يُرِيد فِي جَمِيعهَا فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ، وَإِن كَانَ يُرِيد فِي بَعْضهَا فَصَحِيح، وكل كتاب لَا يَخْلُو من ارتكابه غير الْمَشْهُور فِي بعض مسَائِله. وَالْغُرْمُ والضَّمَانُ مَعْ عِلْمٍ يَجِبْ عَلَى الَّذِي انْجرَّ إلَيْهِ مَا غُصِبْ (وَالْغُرْم وَالضَّمان مَعَ علم يجب) أَي: وكما يجب الْغرم وَالضَّمان على الْغَاصِب كَذَلِك يجبان (على الَّذِي انجر إِلَيْهِ مَا غصب.

<<  <  ج: ص:  >  >>