للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْفساد، فَكيف يشْهدُونَ مَعَ كَونه نهب بأرضهم بل من شهد مِنْهُم عاقبوه وخشي على نَفسه لأَنهم مكتسبون بغصبهم التَّعْظِيم والاحترام كَمَا مرّ. وَمن أجل إهمال هَذَا الْبَاب غلب الظُّلم وَكثر الْفساد وسفكت دِمَاء وغصبت أَمْوَال يعلمهَا الْكَبِير المتعال، حَتَّى إِن الْمُسَافِر ينهب مَاله أَو يسفك دَمه فيرسله الْعَامِل للقضاة فيستبشر الْمُدعى عَلَيْهِ لعلمه أَن القَاضِي يردهُ للْيَمِين، وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن لَا يُرْسِلهُ للْقَاضِي بل يُبَالغ فِي كشفه بِالضَّرْبِ وَطول السجْن والإغرام على مَا مرّ، وقبائل الزَّمَان كلهم متهمون إِذْ غَالب أَحْوَالهم النهب وَالْغَصْب وَسَفك الدِّمَاء وَغَيرهم من مَرَدَة الحواضر تظهر تهمته بالقرائن وَدَلَائِل أَحْوَاله، وَلذَا جرى الْعَمَل بالإغرام لِأَن الْحمل على الْغَالِب وَاجِب، وَالْمرَاد إغرام لأربابه الطالبين لَهُ، وَأما مَا يَفْعَله جهال الْعمَّال من أَخذهم أَمْوَالًا من السراق والغصاب وَلَا يدْفَعُونَ للطَّالِب شَيْئا مِمَّا يَدعِيهِ فَذَلِك خرق للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع قَالَ تَعَالَى: لَا تَأْكُلُونَ أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} إِلَى قَوْله: وَمن يفعل ذَلِك عُدْوانًا وظلماً فَسَوف نصليه نَارا} (النِّسَاء: ٣٠) الخ. الرَّابِع: إِذا كَانَ الْإِنْسَان مَعْرُوفا مَشْهُورا بِعَدَمِ التَّعَدِّي وَعدم أكل أَمْوَال النَّاس فرفعه شخص لجائر يتَجَاوَز الْحَد فِيهِ ويغرمه مَا لَا يجب عَلَيْهِ فَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن الشاكي يغرم للمشكو بِهِ مَا غرم كَمَا فِي الْمواق عَن ابْن لب وَنَحْوه فِي المعيار عَن العبدوسي، وَعَلِيهِ فَإِذا ثَبت الرّفْع للظالم وَقدر مَا دَفعه بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار الشاكي فَلَا كَلَام، وَإِن لم يثبت ذَلِك وَادّعى المشكو بِهِ أَنه دفع كَذَا وَخَالفهُ الشاكي فَالْقَوْل للمشكو بِهِ كَمَا فِي معاوضات المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح قَائِلا: إِذا تقرر الْعرف أَن المشكو بِهِ لَا يُطلق إِلَّا بِمَال كَانَ القَوْل قَول المشكو بِهِ فِي أَنه دفع مَالا للظالم وَفِي قدره بِيَمِينِهِ لِأَن الْعرف كشاهد لمدعيه وَيجب رُجُوعه على الظَّالِم إِن قدر عَلَيْهِ، وَإِن لم يقدر فَفِيهِ اخْتِلَاف، وَالَّذِي بِهِ الْفَتْوَى وَعَلِيهِ الْعَمَل رُجُوعه على الشاكي، وبمثله أفتى الْفَقِيه الجنوي وَغَيره، وَهَذِه الْمَسْأَلَة حكى (خَ) فِيهَا أقوالاً حَيْثُ قَالَ: وَهل يضمن شاكيه لمغرم زَائِد الخ. وَهَذَا إِذا كَانَ الشاكي ظَالِما كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وَأما إِن كَانَ مَظْلُوما لَا يصل إِلَى حَقه إِلَّا بالشكوى للظالم الجائر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، والحكام الْيَوْم محمولون على الْجور كَمَا مّر عَن أبي الْحسن. الْخَامِس: قيل لِابْنِ سَحْنُون فَبِمَ يعرف السَّارِق الْمَشْهُور وَغير الْمَشْهُور؟ فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ الْعلمَاء. فَقيل: إِذا كثر طلابه بِالسَّرقَةِ وقويت فِيهِ التُّهْمَة فَهُوَ مَشْهُور. قَالَ: فَكل من ادّعى بِالسَّرقَةِ على السَّارِق الْمَشْهُور بهَا يحلف على شَيْئَيْنِ أَنه ضَاعَ وَتلف لَهُ مَا ادَّعَاهُ على السَّارِق، وَيحلف أَيْضا لقد اتهمه وَيغرم السَّارِق بِغَيْر بَيِّنَة لِأَن إشهاره بِالسَّرقَةِ هُوَ شَاهد عرفي أقوى من الْبَيِّنَة الناطقة. قَالَ: ويقوّم عَلَيْهِ قيمَة مُغَلّظَة لِأَنَّهُ أَحَق بِالْحملِ عَلَيْهِ اه. من الدّرّ الْمكنون. يَعْنِي: وَالْغَاصِب الْمَشْهُور بِالْغَصْبِ مثل السَّارِق الْمَذْكُور، وَسَيَأْتِي فِي فصل السّرقَة أَن سراق الزَّمَان كلهم لصوص تجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْحِرَابَة، وَيثبت ذَلِك وَلَو بِالسَّمَاعِ الفاشي وَذكر فِي الدُّرَر المكنونة فِي نَوَازِل مازونة عَن سَحْنُون أَنه قَالَ: تجوز على السَّارِق شَهَادَة الصّبيان والرعاة إِذا عرفوه، وَقَالُوا: فلَان رَأَيْنَاهُ سرق دَابَّة فلَان وَتجوز عَلَيْهِم شَهَادَة السيارة عُدُولًا كَانُوا أَو غير عدُول وَلَيْسَ قَول من قَالَ: لَا يجوز عَلَيْهِم إِلَّا الْعُدُول بِشَيْء عندنَا، وَقد سُئِلَ مَالك عَن مثل

<<  <  ج: ص:  >  >>