للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وموضوع كل علم مَا يبْحَث فِيهِ من عوارضه الذاتية، فموضوع علم النَّحْو مثلا الْكَلِمَات لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن أحوالها الَّتِي تعرض لَهَا فِي تركيبها من رفع وَنصب وتعريف وتنكير، وموضوع علم التصريف الْمُفْردَات لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن أحوالها من صِحَة وإعلال وتفكيك وإدغام، وَهَكَذَا. وَعَلِيهِ فَمن لم يتْرك شَيْئا فَلَيْسَ لهَذَا الْعلم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مَوْضُوع، وَأما الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي بكر بن يحيى الصودي الْمَالِكِي فقد قَالَ فِي شرح الحوفية: إِن مَوْضُوع هَذَا الْعلم الْعدَد، ورده ابْن عَرَفَة بِأَن الْعدَد مَوْضُوع لعلم الْحساب وَلَا يكون الشَّيْء الْوَاحِد مَوْضُوعا لأمرين قيل: وَالْخلاف بَينهمَا فِي حَال لِأَن الصودي اعْتبر مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ الفراض من إِلْغَاء التَّرِكَة لعدم انضباطها، وعمدوا إِلَى أعداد يحصرها الْعدَد ويضبطها الْحَد وسموها أصولاً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: سِتَّة الْأُصُول مِنْهَا فِي الْعَمَل الخ. فجعلوها كالقالب تفرغ فِيهِ كل تَرِكَة فَصَارَت تِلْكَ الْأَعْدَاد الَّتِي سَموهَا أصولاً مَوْضُوعَة لهَذَا الْعلم بِهَذَا الِاعْتِبَار وَأما ابْن عَرَفَة فراعى أَن التَّصَرُّف فِي تِلْكَ الْأَعْدَاد إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَة إِلَى التَّوَصُّل لمعْرِفَة كَيْفيَّة قسْمَة التَّرِكَة، فالمقصود بِالْقِسْمَةِ هُوَ التَّرِكَة. فَابْن عَرَفَة رَاعى الْمَوْضُوع بِالْقَصْدِ والذات، والصودي رَاعى الْمَوْضُوع بالأولية وَالْغَرَض والوسيلة، وكل من الاعتبارين صَحِيح، وَكَون الْعدَد مَوْضُوعا لعلم الْحساب لَا يمْنَع أَن يكون مَوْضُوعا لعلم الْفَرَائِض بِالِاعْتِبَارِ الْمُتَقَدّم. والتركة حق يقبل التجزأ ثَبت لمستحق بعد موت من كَانَ لَهُ بِقرَابَة أَو مَا فِي مَعْنَاهَا كَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاء فَقَوله: حق بتناول المَال وَغَيره كالخيار وَالشُّفْعَة وَالْقصاص، فَكلهَا تَرِكَة وَكلهَا تقبل التجزأ لِأَن المُرَاد بِقبُول التجزىء مَا يُمكن أَن يُقَال فِيهِ لهَذَا نصفه وَلِهَذَا ثلثه مثلا، وَهَذِه الثَّلَاثَة كَذَلِك، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ خُصُوص مَا يقبل الامتياز حسا فَقَط كالعدد من الدَّرَاهِم والدور وَالْأَرْض، بل مَا يَشْمَل الامتياز حَقِيقَة كالأرض أَو حكما كالشفعة وَخرج بقابل التجزىء الْوَلَاء الَّذِي هُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ ينْتَقل للأبعد بعد موت الْأَقْرَب لكنه لَا يقبل التجزأ، فَكَمَا لَا يُقَال لهَذَا نصف النّسَب كَذَلِك لَا يُقَال لهَذَا نصف الْوَلَاء الَّذِي هُوَ لحْمَة كالنسب، وَكَذَا ولَايَة النِّكَاح فَإِنَّهَا تنْتَقل بِمَوْت الْأَب مثلا وَلَا تقبل التجزأ وإلَاّ لم يَصح عقد الْأَوْلِيَاء المتساوين إِلَّا بموافقة جَمِيعهم، وَأما الْوَلَاء بِمَعْنى الْإِرْث فَهُوَ قَابل للتجزىء، وَخرج بقوله بعد موت من كَانَ لَهُ الْحُقُوق المنتقلة بِالشِّرَاءِ وَالْهِبَة وَنَحْوهمَا، وَخرج بقوله بِقرَابَة الخ. الْوَصِيَّة على الْمَشْهُور من أَنَّهَا تملك بِالْمَوْتِ ثمَّ الْإِرْث بَين الْأَحْرَار الْمُسلمين يكون بِأحد ثَلَاثَة أَشْيَاء أَشَارَ لَهَا النَّاظِم بقوله: الإرْثُ يُسْتَوْجَبُ شَرْعَاً وَوَجَبْ بِعِصْمَةٍ أَوْ بِوَلاءٍ أَوْ نَسَبْ (الْإِرْث) مصدر ورث وهمزته منقلبة عَن وَاو كَمَا مر (يسْتَوْجب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (شرعا) أَي يسْتَحق بِالشَّرْعِ وَهُوَ الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس (وَوَجَب) لمستحقه بِالشَّرْعِ بِأحد ثَلَاثَة أُمُور. إِمَّا (بعصمة) أَي نِكَاح مُنْعَقد وَلَو فَاسِدا غير مُتَّفق على فَسَاده كَنِكَاح الْمحرم والشغار

<<  <  ج: ص:  >  >>