فَيقدم الأَصْل على الْغَالِب فِي هَذِه عِنْد الْمَالِكِيَّة، وَقدم الشَّافِعِيَّة الأَصْل فِي جَمِيع صور التَّعَارُض. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا تمسك كل مِنْهُمَا بِالْعرْفِ كَمَا إِذا أشبها مَعًا فِيمَا يرجع فِيهِ للشبه كتنازع جزار مَعَ جزار فِي جلد وَنَحْو ذَلِك، فيحلفان وَيقسم بَينهمَا حَيْثُ لم يكن بيد أَحدهمَا، وَإِن تمسك كل مِنْهُمَا بِالْأَصْلِ كدعوى الْمُكْتَرِي للرحى أَو الدَّار أَنَّهَا تهدمت أَو انْقَطع المَاء عَنْهَا ثَلَاثَة أشهر. وَقَالَ الْمُكْتَرِي: شَهْرَان فَقَط فَقيل الْمُكْتَرِي هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته من الغرامة فيستصحب ذَلِك، والمكري مُدع، وَقيل بِالْعَكْسِ لِأَن عقد الْكِرَاء أوجب دينا فِي ذمَّة الْمُكْتَرِي، وَهُوَ يَدعِي إِسْقَاط بعضه فَلَا يصدق، وكما لَو قبض شخص من رجل دَنَانِير، فَلَمَّا طلبه بهَا الدَّافِع زعم أَنه قبضهَا من مثلهَا الْمُرَتّب لَهُ فِي ذمَّته، فَإِن اعْتبرنَا كَون الدَّافِع بَرِيء الذِّمَّة من سلف هَذَا الْقَابِض كَانَ الدَّافِع مدعى عَلَيْهِ وَهُوَ الرَّاجِح كَمَا لِابْنِ رشد وَأبي الْحسن وَغَيرهمَا، وَإِن اعْتبرنَا حَال الْقَابِض وَأَن الأَصْل فِيهِ أَيْضا بَرَاءَة الذِّمَّة فَلَا يُؤَاخذ بِأَكْثَرَ مِمَّا أقرّ بِهِ جَعَلْنَاهُ هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ. فَافْهَم فبهذه الْوُجُوه صَعب علم الْقَضَاء ودق. الثَّانِي: من معنى مَا مر إِذا علق الزَّوْج طَلَاق زَوجته أَو خَيرهَا على عدم حُضُوره مَعهَا بِمَجْلِس الشَّرْع يَوْم كَذَا، وَوَقعت فِي حُدُود الْأَرْبَعين بعد الْمِائَتَيْنِ وَالْألف فَقَامَتْ الْمَرْأَة بعد مُضِيّ الْيَوْم وأرادت أَن تشهد بِأَنَّهَا اخْتَارَتْ فِرَاقه، فَامْتنعَ الْعُدُول من أَن يشْهدُوا عَلَيْهَا إِلَّا بمشورة القَاضِي فشاورته فَمنعهَا القَاضِي من ذَلِك حَتَّى تثبت عدم حُضُوره فِي الْيَوْم الْمُعَلق عَلَيْهِ، وَهَذَا من أفظع الْجَهْل من الْعُدُول وَمن القَاضِي، إِذْ حُضُوره فِي الْيَوْم الْمَذْكُور مُحْتَمل، وَالْأَصْل عَدمه فَهِيَ مدعى عَلَيْهَا وَهُوَ مدعٍ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يصدر مثل هَذَا من هَذَا القَاضِي فَكَانَ يمْنَع الأوصياء من بيع مَال الْأَيْتَام حَتَّى يثبتوا أَنهم لَا مَال لَهُم ظَاهرا وَلَا بَاطِنا، وَلَا يَكْتَفِي بمحاسبتهم على زِمَام التَّرِكَة، وَإِذا بيع عَلَيْهِم صَفْقَة منع أوصياءهم من الْإِمْضَاء حَتَّى يثبتوا مَا ذكر، وَهَكَذَا كل مَا الأَصْل عَدمه وَمَا دري أَن إثباتهما مَا ذكر لَا يُفِيد شَيْئا لِأَن الشَّهَادَة فِي ذَلِك لَا تكون إِلَّا على نفي الْعلم، فَإِذا طلقت نَفسهَا أَو بَاعَ الْوَصِيّ بعد الْإِثْبَات الْمَذْكُور ثمَّ أثبت الزَّوْج الْحُضُور أَو الْيَتِيم الوفر وَقت البيع لقدمت بيناتهما على بَيِّنَة الزَّوْجَة وَالْوَصِيّ لِأَنَّهَا على الْقطع مثبتة، وَالْأُخْرَى على الْعلم نَافِيَة فَلم يكن لتكليفهما بهَا فَائِدَة. وَقد نَص ابْن الْقَاسِم على أَنه إِذا علق أمرهَا بِيَدِهَا على عدم بَعثه لَهَا بِالنَّفَقَةِ يَوْم كَذَا فَرفعت أمرهَا للْحَاكِم، وَزَعَمت أَنه لم يبْعَث لَهَا شَيْئا وَطلقت نَفسهَا، فَإِن قدم وَأثبت الْبَعْث فَهُوَ أَحَق بهَا، وَإِن كَانَت تزوجت فَكَذَا (ت) الوليين. الثَّالِث: قَالَ الْقَرَافِيّ: خولفت قَاعِدَة الدَّعَاوَى فِي خمس: فِي لعان الزَّوْج فِي الْحمل وَالْولد فَقبل قَوْله: لِأَن الْعَادة أَن يَنْفِي الزَّوْج عَن زوجه الْفَوَاحِش فَحَيْثُ رَمَاهَا بهَا مَعَ إيمَانه قدمه الشَّرْع، وَفِي الْقسَامَة فَقبل فِيهَا قَول الْقَتِيل لترجيحه باللوث، وَفِي دَعْوَى الْأُمَنَاء التّلف فَقيل قَوْلهم لِئَلَّا يزهد النَّاس فِي قبُول الْأَمَانَات فتفوت مصالحها والأمين قد يكون من جِهَة مُسْتَحقّ الْأَمَانَة، وَقد يكون من جِهَة الشَّرْع كالوصي والملتقط وَمن أَلْقَت الرّيح ثوبا فِي بَيته. وَفِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح قيل فيهمَا قَول الْحَاكِم لِئَلَّا تفوت الْمصَالح الْمرتبَة على الْولَايَة، وَفِي دَعْوَى الْغَاصِب التّلف قبل قَوْله: لِئَلَّا يخلد فِي السجْن اه الخ. فَتَأمل قَوْله فِي اللّعان والقسامة وَالْأَمَانَة، فَإِن الظَّاهِر أَن ذَلِك مِمَّا قدم فِيهِ الْغَالِب على الأَصْل كَمَا مرّ فَلم تكن فِيهِ مُخَالفَة،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute