قلت: وَهُوَ ظَاهر مَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم فَإِنَّهُم لَا يلتفتون للشّرط الْمَذْكُور. تَنْبِيه: الْخلاف فِي الْمُسَاقَاة كالخلاف فِي الْكِرَاء كَمَا فِي التَّوْضِيح وَغَيره، وَكَذَا الرَّهْن بِمَنْفَعَة فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور لِأَنَّهُ بيع وكراء، وَكَذَا الجلسة فِيهَا الْخلاف الْمَذْكُور، وَأما الرَّهْن فَإِن البَائِع إِذا بَاعَ السّلْعَة بِعشْرَة مثلا إِلَى أجل وَأَعْطَاهُ المُشْتَرِي نصف دَار رهنا فِي دينه وأباح لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ إِلَى الْأَجَل، فقد بَاعَ سلْعَته بشيئين الْعشْرَة المؤجلة وَمَنْفَعَة النّصْف الْمَرْهُون، فبعض السّلْعَة فِي مُقَابلَة الْعشْرَة بيع وَبَعضهَا فِي مُقَابلَة الْمَنْفَعَة كِرَاء، فعلى أَن الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء يكون لِشَرِيك الرَّاهِن بِقِيمَة الْمَنْفَعَة فَيُقَال: مَا يُسَاوِي كِرَاء هَذَا النّصْف منحل للأجل الْمُسَمّى، فَإِذا قيل عشرَة فَيشفع بهَا بِشَرْط أَن يسكن بِنَفسِهِ على مَا مر. قَالَ العلمي فِي نوازله: وَالْعَمَل بفاس على شُفْعَة مَنْفَعَة الرَّهْن الْمشَاع اه. قلت: قيد بَعضهم عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ بردلة: أَن الْعَمَل على عدم الشُّفْعَة فِيهِ، وَإِن كَانَت قَاعِدَة ثُبُوت الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء توجب الشُّفْعَة فِيهِ لَكِن الْأَشْيَاخ لم يعملوا بِمُقْتَضى الْقَاعِدَة وعَلى تَقْدِير عَمَلهم بمقتضاها فَيشفع بِقِيمَة الْمَنْفَعَة اه. مَا وجدته مُقَيّدا عَن بعض المفتيين، وَلَكِن الصَّوَاب مَا فِي العلمي إِذْ لَا وَجه لِخُرُوجِهِ عَمَّا بِهِ الْعَمَل فِي الْكِرَاء، فَهَذَا الَّذِي يجب اعْتِمَاده على مَا يَأْتِي فِي الجلسة، وَأما الجلسة وَتسَمى عِنْد أهل مصر بالخلو فَهِيَ كِرَاء مَحْض أَيْضا إِذْ غَايَته أَن أَرض الْحَبْس أَو غَيرهَا تكرى لمن يغرسها أَو يَبْنِي فِيهَا بدرهم فِي السّنة مثلا مُدَّة من عشْرين سنة أَو بدرهم فِي كل سنة إِلَى غير أجل مَحْدُود، وَيغرم الْكِرَاء عطل بناءه أَو انْتفع بِهِ وضمائرهم منعقدة على أَن الْمُكْتَرِي لَا يخرج إِلَّا بِرِضَاهُ لجَرَيَان عَادَتهم بذلك، فَإِذا وَقعت عَلَيْهِ زِيَادَة فِي الْكِرَاء فَإِن شَاءَ أَخذه بِتِلْكَ الزِّيَادَة وَكَانَ أَحَق بِهِ من الَّذِي زَاد عَلَيْهِ، وَإِن شَاءَ أَخذ أنقاضه وَرفع نزاعه إِن امْتنع ذُو الأَصْل من إبقائه بالكراء الأول، فتقديم الْمُكْتَرِي على الْغَيْر بِمَا أعطَاهُ ذَلِك الْغَيْر من الْكِرَاء وانعقاد ضمائرهم عَلَيْهِ عِنْد العقد هُوَ الْمعبر عَنهُ فِي الِاصْطِلَاح بالكراء على التَّأْبِيد، وَلَكِن لما كَانَ أَحَق بِهِ بِتِلْكَ الزِّيَادَة لم يزدْ أحد فِي الْغَالِب عَلَيْهِ لعدم الْفَائِدَة، وَلذَا قَالَ فِي نظم الْعَمَل:
وَهَكَذَا الجلسة وَالْجَزَاء جرى على التبقية الْقَضَاء ثمَّ إِذا مَاتَ الْمُكْتَرِي ذُو الجلسة فَإِنَّهَا تورث عَنهُ وَيقوم وَارثه مقَامه، وَهَكَذَا مَا دَامَ هُوَ أَو وَارثه وَلَو سفل قَائِما بحياطتها وصيانتها، فَإِن فرط فِيهَا حَتَّى اندثر بِنَاؤُه وغرسه فقد بَطل حكمهَا وَلَا شَيْء لصَاحِبهَا فِي الأَرْض، ثمَّ قبل اندثارها لبَعض الشُّرَكَاء أَن يكْرِي حَظه مِنْهَا أَو يَبِيعهُ وَفِي الْحَقِيقَة أَن بيعهَا كِرَاء، فَإِذا أكراه أَو بَاعه فللآخرين الشُّفْعَة لَا لرب الأَرْض على مَا مر من وجوب الشُّفْعَة فِي الْكِرَاء، وَبِه أفتى فِيهَا ابْن رحال والشدادي وَغَيرهمَا، وَأفْتى الشَّيْخ التاودي بِأَن الَّذِي وَقع بِهِ الحكم وَالْفَتْوَى فِي الجلسة إِذا بيع جُزْء مِنْهَا أَنه لَا شُفْعَة فِيهِ للشَّرِيك قَالَ: هَكَذَا ذكره القَاضِي بردلة عَن أبي عبد الله بن سَوْدَة وَأبي عبد الله المجاصي قَالَ: وَإِذا لم تجب فِي بيع جُزْء مِنْهَا فَلَا تجب فِي كِرَاء جُزْء مِنْهَا بالأحرى لِأَن الْكِرَاء أَضْعَف اه. وَنَحْوه للمسناوي عَن بردلة الْمَذْكُور قَائِلا عَنهُ: وسمعتهم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute