الثَّالِث: اخْتلف على القَوْل بِاشْتِرَاط الْحِيَازَة هَل لَا بُد من المعاينة أَو يَكْفِي فِيهِ اعْتِرَاف الْمصير والمصير لَهُ؟ قَولَانِ: وَالثَّانِي مِنْهُمَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَإِذا تنَازعا فَادّعى أَحدهمَا الْحَوْز على الْفَوْر وَادّعى الآخر التَّأْخِير جرى على الِاخْتِلَاف فِي دَعْوَى الصِّحَّة وَالْفساد فِي البيع، وَقد علمت أَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة قَالَه أَبُو عمرَان، وَبِه أفتى العقباني وَغَيره كَمَا فِي شرح الْعَمَل، وَعَلِيهِ فَقَوْلهم لَا بُد فِيهِ من فَور الْحَوْز أَي لَا بُد أَن يثبت بِالْبَيِّنَةِ أَو باعترافهما أَو يَدعِيهِ أَحدهمَا، وَإِذا كَانَ القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة فمحله إِذا لم يغلب الْفساد، وَقد قَالَ الملوي فِي تحريره: الْغَالِب فِي التصيير للزَّوْجَة عدم حوزها فَيكون القَوْل حِينَئِذٍ لمُدعِي عدم فَور الْحَوْز، فالتصيير مُخَالف للهبة. وَنَحْوهَا من التَّبَرُّعَات إِذْ لَا بُد فِيهَا من المعاينة كَالرَّهْنِ وَمحل هَذَا إِذا لم يكن فِي التصيير مُحَابَاة وغبن وإلَاّ فَلَا بُد من المعاينة لِأَن الْمُحَابَاة هبة، وَفِي الطرر: وَإِذا ثَبت الْغبن والمحاباة فِي التصيير وَلم تصح فِيهِ الْحِيَازَة بَطل اه. وَمحله أَيْضا إِذا لم يكن الدّين ثَبت بِإِقْرَار وإلَاّ فَلَا بُد من المعاينة لاتهامهما على قصد الْهِبَة والتحيل على إِسْقَاط الْحِيَازَة فَلَا تَنْتفِي التُّهْمَة إِلَّا بالمعاينة، وَهَذَا كُله على مَا مر من أَن الْمَشْهُور ثُبُوت الْحَوْز بالاعتراف، وَأما على مَا صدر بِهِ فِي الْمعِين من أَن الِاعْتِرَاف بالحوز غير كَاف وَنَحْوه فِي الطرر وَابْن سَلمُون قَائِلا: بِهِ الْعَمَل، فَلَا فرق بَين التصيير والتبرعات فِي وجوب مُعَاينَة الْحَوْز. (الرَّابِع) : فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن حَدِيد: إِذا صير الزَّوْج دَار سكناهُ لزوجته وَلم يخلها من مَتَاعه وَعَمله فَذَلِك دين بدين وَبيع فَاسد على قَول ابْن الْقَاسِم، وَبِه قَالَ شُيُوخ قرطبة ابْن لبَابَة وَغَيره وَبِه الْعَمَل اه. بِاخْتِصَار. وَنَقله فِي المعيار أَيْضا عَن بَعضهم وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا: لَا يجوز تصيير دَار السُّكْنَى للزَّوْجَة إِلَّا أَن يخليها من سكناهُ وأمتعته فَيتم لَهَا قبضهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ اه. وَخَالف ابْن رحال فِي هَذَا فَقَالَ: إِن التصيير فِي غير مَسْأَلَة الزَّوْجَة شَرطه الْحَوْز وإلَاّ فسد، وَمَسْأَلَة الزَّوْجَة فِيهَا خلاف وَالصَّوَاب هُوَ الْمُضِيّ لِأَن مَسْأَلَة الزَّوْجَة حائزة بعض الْحَوْز وَلَا كَذَلِك من لم يحز أصلا بِدَلِيل أَن الصَّدَقَة تحاز مَعَ الْمُصدق وَتَصِح اه. وَأَشَارَ بقوله: بِدَلِيل أَن الصَّدَقَة تحاز مَعَ الْمُتَصَدّق الخ. إِلَى مَا صدر بِهِ ابْن سهل حَسْبَمَا فِي (ق) آخر الْقَرْض من أَن التصيير لَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة، وَبِه أفتى ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان وَابْن مَالك فِي مَسْأَلَة تصيير نصف دَار السُّكْنَى قَالَ: وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ قَول مَالك فِيمَن وهب أَجْنَبِيّا جُزْءا من مَاله مشَاعا وَاعْتمر الْمَوْهُوب لَهُ مَعَ الْوَاهِب أَنه جَائِز اه. وَفِيه نظر لِأَن الزَّوْجَة فِي مَسْأَلَة تصيير نصف الدَّار لَهَا أَو تصييرها كلهَا لَهَا لم تعتمر لنَفسهَا شَيْئا فِي الْحَقِيقَة إِذْ سكناهَا على الزَّوْج والمعتمر فِي الْحَقِيقَة هُوَ الزَّوْج بِخِلَاف مَسْأَلَة صَدَقَة الْجُزْء الْمشَاع فالمتصدق عَلَيْهِ قد حَاز لنَفسِهِ. الْخَامِس: تقدم فِي النِّكَاح أَن عَادَة الْبَوَادِي أَن يسموا فِي الصَدَاق عينا ويدفعوا عَنْهَا عرضا أَو حليا أَو شورة أَو عقارا وَذَلِكَ جَائِز لَا يفْتَقر لحيازة وَأَنه لَيْسَ من التصيير. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي بعد نقُول مَا نَصه: قد بَان لَك من هَذَا أَن من عقد على شَيْء وَالْمَقْصُود دفع غَيره فَالْعِبْرَة بذلك الْمَقْصُود وَكَأن العقد وَقع عَلَيْهِ ابْتِدَاء، فَإِذا تزوج بِنَقْد وَالْمَقْصُود بِالشّرطِ أَو الْعَادة دفع عقار فَكَأَنَّهُ تزوج بذلك الْعقار ابْتِدَاء فَلَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة وَالْعَادَة دفع الشورة فَكَأَنَّهُ تزوج بالشورة ابْتِدَاء فَيجْرِي على قَول (خَ) : وَجَاز بشورة الخ اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي الأول فصل الْإِجَارَة فَفِيهِ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute