للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ربه بِغَيْر حَضرته، وَلَو بَاعه دلال آخر بِجعْل كَانَ الْجعل بَين الدلالين بِقدر عنائهما، لِأَن الدَّلال الثَّانِي هُوَ المنتفع بتسويق الأول اه. وَتَأمل هَذَا مَعَ مَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم من كَون الدَّلال الثَّانِي يستبد بِجَمِيعِ الْجعل وَذَلِكَ ظلم للْأولِ كَمَا ترى، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَ الدَّلال الثَّانِي دلل الثَّوْب مثلا فِي الْيَوْم الَّذِي دلله فِيهِ الأول، وَفِي ذَلِك السُّوق بِعَيْنِه وإلَاّ فَلَا شَيْء للْأولِ بِخِلَاف تدليل الْأُصُول الْجُمُعَة والشهر وَنَحْوه، فَإِنَّهُ يُشَارك الثَّانِي وَلَو دللها فِي غير يَوْمهَا وسوقها ثمَّ مَا مر من أَن للْأولِ بِنِسْبَة الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُور، وَاعْتَرضهُ التّونسِيّ وَابْن يُونُس قَالَا: لِأَن الأول إِذا رَضِي أَن يحملهَا جَمِيع الطَّرِيق بِخَمْسَة، فَكَانَ يجب إِذا تَركهَا فِي نصف الطَّرِيق أَن يعْطى نصف الْخَمْسَة، وَأجَاب ابْن عبد السَّلَام بِأَن عقد الْجعل لما كَانَ منحلاً من جِهَة الْعَامِل بعد الْعَمَل فَلَمَّا ترك بعد حمله نصف الْمسَافَة صَار تَركه إبطالاً للْعقد من أَصله وَصَارَ الثَّانِي كاشفاً لما يسْتَحقّهُ الأول اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: أَرْكَان الْجعل ثَلَاثَة: عَاقد وَشَرطه أَهْلِيَّة البيع وَعمل وَهُوَ كعمل الْإِجَارَة من كَونه مَنْفَعَة تتقوم قدر على تَسْلِيمهَا بِلَا اسْتِيفَاء عين وَلَا حظر وَتعين الخ. إِلَّا أَنه لَا يشْتَرط الْعلم بِهِ هُنَا إِذْ مَسَافَة الْآبِق والضالة مَجْهُولَة انْظُر شرحنا للشامل. وَجعل وَشَرطه أَن يكون مَعْلُوما مُنْتَفعا بِهِ ظَاهرا مَقْدُورًا على تَسْلِيمه إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يشْتَرط فِي ثمن الْمَبِيع، وَتقدم عَن ابْن سراج فِي فصل الْإِجَارَة أَنه أجَاز كِرَاء السَّفِينَة بالجزء من ربحها إِذا دعت إِلَى ضَرُورَة قَالَ: لِأَنَّهُ قد علم من مَذْهَب مَالك رَحمَه الله مُرَاعَاة الْمصلحَة إِذا كَانَت كُلية حاجية، وَأَيْضًا فَإِن ابْن حَنْبَل وَجَمَاعَة من عُلَمَاء السّلف أَجَازُوا الْإِجَارَة بالجزء فِي جَمِيع الْإِجَارَات قِيَاسا على الْقَرَاض وَالْمُسَاقَاة، وَقد اخْتلف الأصوليون فِي جَوَاز الِانْتِقَال من مَذْهَب إِلَى آخر فِي بعض الْمسَائِل، وَالصَّحِيح من جِهَة النّظر جَوَازه قَالَ: وَمِمَّا يدل للْجُوَاز أَيْضا مَا ذكره الشّعبِيّ عَن أصبغ من أَن جَمِيع مَا يضْطَر إِلَيْهِ النَّاس وَلَا يَجدونَ مِنْهُ بدًّا مثل حَارِث الزَّرْع يسْتَأْجر بِجُزْء مِنْهُ، وَلَا يجد من يحرس لَهُ إِلَّا بذلك الْوَجْه فأرجو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس اه بِاخْتِصَار. وَنقل ولد النَّاظِم كَلَامه فِي فصل الْإِجَارَة وَقَالَ عقبه: إِن عمل بِمُقْتَضى هَذِه الْفَتْوَى فتحت مسَائِل كَثِيرَة ظَاهرهَا الْمَنْع على أصل الْمَذْهَب اه. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْفَتْوَى اعتمدها غير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين ومحلها عِنْدهم وَعند ابْن سراج إِذا دعت الضَّرُورَة إِلَى ذَلِك وَلم يجد فِي الْبَلَد من يعْمل بِالْأَجْرِ الْمَعْلُوم كَمَا ترى، وَتقدم فِي فصل الْإِجَارَة أَن مجاعلة الدَّلال من هَذَا الْقَبِيل وإلَاّ فَهِيَ مَمْنُوعَة. انْظُر شرحنا للشامل عِنْد قَوْله: وَالْعَمَل فِي الْجعل من شَرطه عدم تَأْجِيله الخ. وَمِمَّا يجوز فِيهِ الْجعل مَعَ جهل الْعِوَض أَيْضا قَوْله: اقتض ديني وَمَا اقتضيت فلك نصفه، أَو القط زيتوني وَمَا لقطت فلك نصفه، وجذ من نخلي مَا شِئْت، أَو احصد من زرعي مَا شِئْت وَلَك نصف مَا تحصد أَو تجذ، فَإِن ذَلِك كُله جعَالَة وَله التّرْك مَتى شَاءَ كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل وَغَيره، فَإِن قَالَ: احصد زرعي هَذَا سَوَاء قَالَ كُله أم لَا. كَمَا فِي الرجراجي أَو قَالَ: جذ نخلي هَذَا أَو القط زيتوني هَذَا وَلَك نصفه، فَهُوَ إِجَارَة لَازِمَة لِأَنَّهُ مَعْلُوم بالحزر وَلَيْسَ لَهُ التّرْك كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَة. الثَّانِي: كل مَسْأَلَة يَصح الْجعل فِيهَا مَعَ اعْتِبَار شُرُوطه من عدم ضرب الْأَجَل وَنَحْوه تصح فِيهَا الْإِجَارَة مَعَ اعْتِبَار شُرُوطهَا أَيْضا من ضرب الْأَجَل وَغَيره، وَلَا عكس. أَلا ترى أَن حفر الْآبَار يَصح بجعالة كَمَا قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>