للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

السَّلامَة من التَّفَاوُت فِي الْمُزَارعَة، وَعَلِيهِ فَتجوز وَلَو لم يقوِّما الْعَمَل وَلَا عرفا كِرَاء الأَرْض وَهُوَ قَول عِيسَى بن دِينَار، وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُفِيد والجزائري وَابْن مغيث وتبعهم النَّاظِم فَقَالَ: (وَالْعَمَل الْيَوْم بِهِ) أَي بِهَذَا القَوْل الَّذِي لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت (فِي) جَزِيرَة (الأندلس) ، بل وَكَذَلِكَ فِي مغربنا الْيَوْم لِأَن عَملنَا تَابع لعملهم، وَسميت جَزِيرَة لِأَن الْبَحْر مُحِيط بهَا من جهاتها إِلَّا الْجِهَة الشمالية فَهِيَ مُثَلّثَة الشكل، وَأول من سكنها بعد الطوفان أندلس بن يافث بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام فسميت بِهِ. وَمَفْهُوم قَوْله: إِن أخرجَا الخ. أَنَّهُمَا إِذا لم يخرجَا الْبذر على نِسْبَة مَا ذكر كَمَا لَو دخلا على المناصفة فِيمَا يحصل فى المصيف، وَلَكِن الْبذر على أَحدهمَا ثُلُثَاهُ وعَلى الآخر ثلثه، فَإِن ذَلِك لَا يجوز وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل، فَإِن كَانَ مخرج ثُلثَيْهِ هُوَ رب الأَرْض فَلَا إِشْكَال فِي الْجَوَاز لِأَن مَا زَاده من سدس الْبذر فِي مُقَابلَة الْعَمَل أَو هبة، وَإِن كَانَ مخرج ثُلثَيْهِ هُوَ الْعَامِل فَإِن كَانَ على أَن يَأْخُذ كل مِنْهُمَا بِقدر بذره جَازَ، وَإِن كَانَ على أَن يَأْخُذ كل نصف الزَّرْع امْتنع، لِأَن مَا زَاده من سدس الْبذر هُوَ فِي مُقَابلَة الأَرْض، فَإِن نزل فَلِكُل وَاحِد من الزَّرْع بِقدر بذره ويتراجعان فِي فصل الأكرية. قَالَ سَحْنُون: انْظُر شرحنا للشامل، وَإِنَّمَا امْتنع هَذَا الْوَجْه لِأَنَّهُ من كِرَاء الأَرْض بِطَعَام، وَتقدم فِي فصل كِرَاء الأَرْض مَنعه، وَتقدم هُنَاكَ أَيْضا من يَقُول بِجَوَاز كرائها بِكُل شَيْء وَلَو طَعَاما، وَعَلِيهِ فَإِذا اعتادوا فِي بلد التَّفَاوُت فِي الْبذر لَا يُنكر عَلَيْهِم كَمَا مر نَظِيره عَن المسناوي وَابْن لب فِي الْبَابَيْنِ قبله، وَلَا سِيمَا إِذا لم يجد من يتعامل مَعَه على الْوَجْه الْجَائِز وَقد قَالَ الْبُرْزُليّ: تجوز الْمُعَامَلَة الْفَاسِدَة لمن لَا يجد مندوحة عَنْهَا كَالْإِجَارَةِ والمزارعة وَالشَّرِكَة وَغير ذَلِك من سَائِر الْمُعَامَلَات، وَقد رُوِيَ عَن الْفَقِيه ابْن عيشون أَنه خَافَ على زرعه الْهَلَاك فآجر عَلَيْهِ إِجَارَة فَاسِدَة حِين لم يجد الْجَائِزَة قَالَ: وَمثله لَو عَم الْحَرَام فِي الْأَسْوَاق وَلَا مندوحة عَن غير ذَلِك، والمبيح الضَّرُورَة كَمَا جَازَ للْمُضْطَر أكل الْميتَة اه. وَتقدم نَحْو هَذَا عَن ابْن سراج فِي الْإِجَارَة، وَقَالَ الْجُزُولِيّ عِنْد قَول الرسَالَة: وَلَا بَأْس للْمُضْطَر أَن يَأْكُل الْميتَة ويشبع الخ مَا نَصه. انْظُر على هَذَا لَو اضْطر إِلَى الْمُعَامَلَة بالحرام مثل أَن يكون النَّاس لَا يتعاملون إِلَّا بالحرام وَلَا يجد من يتعامل بالحلال هَل لَهُ أَن يتعامل بالحرام أم لَا؟ وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (لَو كَانَت الدُّنْيَا بركَة دم لَكَانَ قوت الْمُؤمن مِنْهَا حَلَالا) وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَا يجد من يزرع إِلَّا بكرَاء الأَرْض بِمَا تنبته أَو كَانَ لَا يجد إِلَّا من يشْتَرط شركَة فَاسِدَة وَلَيْسَ لَهُ صَنْعَة إِلَّا الْحَرْث أَو مثل الْحَصاد بالقبضة إِذا كَانَ لَا يجد من يحصد إِلَّا بهَا. قَالَ الشَّيْخ: أما إِذا تحققت الضَّرُورَة فَيجوز، وَقد سَمِعت بعض الشُّيُوخ يَقُول فِي قوم نزلُوا بِموضع قد انجلى أَهله عَنهُ وَكَانَ الَّذين نزلُوا بِهِ لَا صَنْعَة لَهُم إِلَّا الْحَرْث: أَنه يجوز لَهُم أَن يحرثوا تِلْكَ الأَرْض الَّتِي ارتحل أَهلهَا عَنْهَا. قَالَ: وَذكر عَن الْفَقِيه ابْن عيشون أَنه حصد زرعه بِإِجَارَة فَاسِدَة لأجل الضَّرُورَة اه. وَفِي السّفر الثَّالِث من المعيار قَالَ أصبغ: ينظر إِلَى أَمر النَّاس فَمَا اضطروا إِلَيْهِ مِمَّا لَا بُد لَهُم مِنْهُ وَلَا يَجدونَ الْعَمَل إِلَّا بِهِ، فأرجو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس إِذا عَم اه. فَهَذَا كُله مِمَّا يدل للْجُوَاز مَعَ الضَّرُورَة، وَأَيْضًا فَإِنَّمَا يُقَال مَا زَاده من سدس الْبذر هُوَ فِي مُقَابلَة الأَرْض إِذا كَانَ كِرَاء الأَرْض يزِيد على قيمَة الْعَمَل، وإلَاّ فَهُوَ مَحْض هبة وَتقدم أَنه على مَا بِهِ الْعَمَل لَا يشْتَرط معرفَة قيمَة الأَرْض وَلَا الْعَمَل وَمُقَابل الْعَمَل الَّذِي فِي النّظم هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: إِن سلما من كِرَاء الأَرْض بممنوع وقابلها مساوٍ الخ. وَعَلِيهِ فَإِذا كَانَت قيمَة الأَرْض مائَة وَقِيمَة الْعَمَل خمسين ودخلا على المناصفة فِي الْبذر وَمَا يحصل فِي المصيف لم يجز لوُجُود التَّفَاوُت.

<<  <  ج: ص:  >  >>