وَقد اشْتَمَل كَلَام النَّاظِم على ثَلَاث صور من صور الْمُزَارعَة اثْنَتَانِ جائزتان وهما صُورَة الْمَنْطُوق وَوَاحِدَة من صُورَتي الْمَفْهُوم كَمَا مر، وَسَتَأْتِي الصُّور الثَّلَاث الْبَاقِيَة من الْخمس الْجَائِزَة عِنْد قَوْله: وَجَاز فِي الْبذر اشْتِرَاك الخ. وَالتُزِمَتْ بالعَقْدِ كَالإجَارَه وَقِيلَ بَلْ بالبَدْءِ لِلْعِمَاره (والتزمت) لَو قَالَ: ولزمت (بِالْعقدِ كَالْإِجَارَةِ) وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَسَحْنُون وَابْن الْقَاسِم فِي كتاب ابْن سَحْنُون، وَبِه قَالَ ابْن زرب وَابْن الْحَارِث وَابْن الْحَاج وَوَقع الحكم بِهِ، وَبِه كَانَ يُفْتِي ابْن رشد وَصَححهُ فِي الشَّامِل فَقَالَ: عقد الْمُزَارعَة لَازم قبل الْبذر على الْأَصَح، وَقيل لَا تلْزم إِلَّا بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَل وَهُوَ لِابْنِ كنَانَة فِي الْمَبْسُوط وَابْن رشد وَبِه جرت الْفَتْوَى بقرطبة. (وَقيل) لَا تلْزم بِالْعقدِ وَلَا بِالشُّرُوعِ (بل بالبذر للعمارة) وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: لكل فسخ الْمُزَارعَة إِن لم يبذر. وَمَعْنَاهُ كَمَا لِابْنِ رشد أَنَّهَا تلزمهما فِيمَا بذرا من قَلِيل أَو كثير وَلَا تلزمهما فِيمَا بَقِي وَلكُل فَسخهَا، فَإِن عجز أَحدهمَا بعد الْبذر فَإِنَّهُ يُقَال لشَرِيكه: اعْمَلْ فَإِذا طَابَ الزَّرْع بِعْ وَاسْتَوْفِ حَقك وَالزِّيَادَة لَهُ وَالنُّقْصَان عَلَيْهِ يتبع بِهِ كَمَا مر فِي الْمُسَاقَاة وَقَالَهُ فِي النَّوَادِر، فَإِذا أذهب السَّيْل بذر أَحدهمَا فَأبى أَن يُعِيد بذراً آخر فَإِنَّهُ لَا يجْبر لِأَن عملهما قد تمّ، وَأما على مَا صدر بِهِ النَّاظِم فَإِنَّهُ إِذا أَبى أَحدهمَا من إِتْمَامهَا بعد عقدهَا صَحِيحَة فَإِنَّهُ يجْبر على الْإِتْمَام، وَكَذَا يُقَال على لُزُومهَا بِالشُّرُوعِ أَيْضا. وَمِمَّا يَنْبَنِي على الْخلاف لَو زارع رجل شخصا آخر، فَلَمَّا قلب الأَرْض عَامل غَيره على عَملهَا من أجل عجز عَنْهَا أَو غَيره أَن الزَّرْع لرب الأَرْض وللعامل الآخر وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ الأول شَيْء وَله كراؤه على الْعَامِل الآخر ثمنا وَسَوَاء علم الْأَخير بِالْأولِ أم لَا، قَالَ الْبُرْزُليّ: هَذَا على أَن الْمُزَارعَة لَا تلْزم بِالْعقدِ وَلَا بِالشُّرُوعِ فَأشبه عَامل الْقَرَاض إِذا أَخذ الْقَرَاض وَأَعْطَاهُ قبل الْعَمَل فَلَيْسَ لَهُ من الرِّبْح شَيْء، وعَلى القَوْل بلزومها بِالْعقدِ أَو الشُّرُوع الشّركَة الثَّانِيَة لِلْعَامِلِ الأول وَالثَّانِي، وَيبقى نصيب رب الأَرْض على حَاله كالمساقاة اه. وَهَذَا إِذا أَدخل الْعَامِل الأول الثَّانِي لعجز وَنَحْوه أَو لم يدْخلهُ بل أدخلهُ رب الأَرْض كَمَا ترى. وَفِي ابْن سَلمُون وَابْن عَاتٍ: الزَّرْع لرب الأَرْض وللعامل الْأجر بِالْجِيم الساكنة، وَصَوَابه الآخر بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة بِدَلِيل قَوْله: وَلَيْسَ للوسط شَيْء يَعْنِي الْعَامِل الأول لِأَنَّهُ يُفِيد أَن الآخر يَأْخُذ من الزَّرْع لَا أَنه يَأْخُذ الْأُجْرَة فَقَط، وبدليل تَشْبِيه الْبُرْزُليّ لَهُ بعامل الْقَرَاض يُعْطِيهِ للْغَيْر قبل الْعَمَل الْمشَار لَهُ بقول (خَ) أَو قارض بِلَا إِذن وَغرم لِلْعَامِلِ الثَّانِي إِن دخلا على أَكثر الخ. كَذَا كتبه أَبُو الْعَبَّاس الملوي رَحمَه الله. وعَلى أَنَّهَا تلْزم بِالْعقدِ يجوز إِدْخَال الخماس فِيمَا حرثه رب الزَّرْع قبله وَيجوز السّلف أَيْضا على أَنَّهَا لَا تلْزم إِلَّا بالبذر، فَيجوز فيهمَا. انْظُر شرحنا للشامل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute