لقد كتب الله السلامة لـ «صحيح البُخارِيّ» بما هيأ له من سبل الشهرة الواسعة في حياة صاحبه، فقد تسامع الناس بالكتاب في أول عهده بالظهور، وتعرف المحدثون على سمو قدره، فارتحلوا إلى البُخارِيّ من كل مكان ليتلقوا عنه كتابه، حتى بلغ من سمعوه منه عددًا لا يحصيهم إلا الله تعالى.
ومن بين من سمع «الصحيح» الإمام الفَرَبْريّ، فممّا مّن الله عليه أن هيأ له أسبابًا للقاء البُخارِيّ والسماع منه، وخصه الله تعالى ببعض الأمور التي جعلت روايته أفضلَ الروايات، وأتقنها، وأعلاها سندًا.
قال أبو إسحاق المُسْتَمْلِيّ عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ قال: سمع كتاب «الصحيح» لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل فما بقي أحد يرويه غيري.
وهذا النص من الفَرَبْريّ - وإن كان غير مُسَلّم؛ لما سأذكره بعد من رواة آخرين ماتوا بعده - يدل على كثرة الراوة عن البُخارِيّ، ومع ذلك كان مدار الروايات وعمدتها رِواية الفَرَبْريّ.
ولا يمكن أن تكون شهرة رِواية الفَرَبْريّ وتميزها على غيرها جزافًا اعتمد على ما توفر لها من الصيت، والسمعة، وحسن الحظ.
بل كان ذلك لما توفر لهذه النسخة وهذه الرِّواية من عوامل الحفظ والرعاية ما لم يتوفر لرِواية أخرى من روايات «الصحيح».
فلا عجب إذن أن جعلها العلماء عمدتهم في كتاب «البُخارِيّ»، وجعلوا الفَرَبْريّ - كما قال ابن رشيد الفهري -: وسيلة المسلمين إلى