الحمد لله المنعم، مفضل النبيين، المجزل الجواد الكريم، ذي المن العظيم، الذي ابتدأنا بنعمته في الأزل مشيئةً وقدرًا قبل أن نكون خلقًا بشرًا، وقبل أن نُسوَّى أجسامًا وصورًا، ثم اصطنعنا بعد فأكرمنا بمعرفته، وأرشدنا بنور هدايته، علمنا الدين وكنا جُهّالًا، وبصَّرنا السبيل وكنّا ضُلالا، ولولا فضله علينا ورحمته إيانا ما زَكا منا من أحد ولا اهتدى بجهده إلى خير ورشد، و {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجا* قَيِّمًا}[الكهف: ١، ٢] أوضح به مناهج الحق، ونَوَّر سبلَه، وطمس به أعلام الباطل، وعَوَّر طرقه، وشرع فيه الأحكام، وبين فيه الحلال والحرام، ثم بشر وأنذر، ووعد وأوعد، وضرب فيه الأمثال، واقتص عن الأمم السالفة نواصي الأخبار؛ ليكون لنا فيها موعظة وبها اعتبار.
والحمد لله {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وان كانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}[الجمعة: ٢] جعله مهيمنًا على كتابه، ومبينًا له، وقاضيًا على ما أجمل منه بالتفسير، وعلى ما أبهم من ذكره بالبيان والتلخيص؛ ليرفع بذلك من قدره، ويشيد بذكره، فتكون أحكام شرائع دينه صادرة عن بيان قوله وتوقيفه، ثم قرن طاعته بطاعته، وضمن الهُدى في متابعته، فقال:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ}[النساء: ٨٠].
وأحمد الله الذي جعلنا من أمته؛ فأكرمنا بدينه وسنته، وعلمنا منهما ما لم نكن نعلم، وكان فضله علينا عظيمًا.