قلت (الباحث): ما ذكره القسطلاني مخالفًا بذلك ابن حجر وابن رشيد والباجي فيه نظر من حيث الواقع، فالرواة عن البخاري ومن بعده وقع بينهم بعض الاختلافات لا يمكن توجيهها إلا بإعمال هذه القاعدة، وهذه المواضع قليلة جدًّا كما ذكر ابن حجر، كما أنها لا تعني وجود تعارض يطعن في «الصحيح»؛ لأنها متعلقة بالسياق العام وترتيب الكتاب، وليست من العلل التي تقدح في صحة الأحاديث، وترك بعض المواضع مبيضة في نسخة الإمام البخاري في موضع تراجم بعض الأبواب لما عرف من تأني الإمام البخاري - كما ذكر ابن رشيد - وحرصه على دقة الاستنباط للأحكام من الأحاديث، وهو أمر لا يعاب به فاعله، لاسيما مع ما عرف به الإمام من حسن النية، وجميل الفعلة فيما أنجزه من تراجم الكتاب وهو الغالب كما قدمت (١).
وبناء على ما سبق فإن من أسباب وجود اختلافات بين الروايات أن الرواة الأُوَل الذين نقلوا من أصل البخاري اجتهدوا في وضع بعض الأحاديث تحت بعض التراجم المبيضة. والله أعلم.
[٢ - كثرة الرواة عن البخاري]
لقد بذل البخاري رحمه الله قصارى جهده وعنايته في انتقاء أحاديث «الصحيح»، واستغرق في تأليفه سنواتٍ كثيرةً، ثم عرضه على صفوة النقاد في عصره لهذا لم يكن غريبًا أن يعد هذا الكتاب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، مما جعل جمهور الأمة الإسلامية في زمانه يحرصون على سماع هذا «الصحيح» عن مؤلفه، ثم ممن سمعه، ويكتبونه من أصله، ثم ما تفرع منه من النسخ المعتبرة.