لذا بقي الفَرَبْريّ بعد وفاة البُخارِيّ أربعة وستين عامًا، كان فيها مقصد العلماء والطلاب ممن يريدون سماع «الصحيح» عاليًا.
وبقاء الفَرَبْريّ هذه المدة بعد وفاة البُخارِيّ، كان له أهميته التي جعلت إسناده عاليًا إلى البُخارِيّ، ولا شك أن طلب الإسناد العالي من آداب المحدثين.
لذا نجد الفَرَبْريّ يقول: سمع كتاب «الصحيح» لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يرويه غيري.
وهذا القول من الفَرَبْريّ وإن لم يُسلم له، إلا أنه قاله على ما يعلم مما يدل على بقائه، حتى يظن أنه آخر من حدث عن البُخارِيّ - رضي الله عنه -.
الأمر الخامس: تكرار سماعه لـ «الصحيح» من البُخارِيّ:
قد سبق القول في مبحث سماع الفَرَبْريّ من البُخارِيّ أنه سمع «الصحيح» أكثر من مرة، فقد ذكر هو نفسه أنه سمعه من البُخارِيّ مرتين، مرة بفربر سنة ثمان وأربعين ومائتين، ومرة أخرى ببخارى سنة اثنتين وخمسين، وهناك بعض الروايات التي تدل على سماعه من البُخارِيّ سنة ثلاث وخمسين، كما جاء عن أبي زيد المَرْوَزيّ عند الجَيّانيّ، عن الفَرَبْريّ أنه سمعه في تلك السنة.
فإذا عرفنا أن هناك نصوصًا تدل على سماعه منه أيضًا سنة ثلاث وأربع وخمس وخمسين ومائتين، وتوفي البُخارِيّ بعد ذلك بسنة تبين لنا أهمية سماع الفَرَبْريّ لـ «الصحيح» في آخر حياة البُخارِيّ، مما يدل على أن نسخة الفَرَبْريّ وأصل البُخارِيّ الذي كان في يده، هو من آخر ما استقر عليه البُخارِيّ في «صحيحه» والله أعلم.