الفضل، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، ورواه أيضا عن قتيبة عن عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد فما خرم منه شيئًا.
ولست أشك في أن ذلك لم يقع من جهة الحميدي؛ فقد رواه لنا الأثبات من طريق الحميدي تامًا غير ناقص. اهـ.
وقد نقل ابن حجر كلام الخطابي في «الفتح»، ثم ذكر جوابًا حسنًا عن ذلك حيث يقول: وحاصله أن الجملة المحذوفة تشعر بالقربة المحضة، والجملة المبقاة تحتمل التردد بين أن يكون ما قصده يحصل القربة أولا، فلما كان المصنف كالمخبر عن حال نفسه في تصنيفه هذا بعبارة هذا الحديث، حذف الجملة المشعرة بالقربة المحضة؛ فرارًا من التزكية، وأبقي الجملة المترددة المحتملة؛ تفويضًا للأمر إلى ربه، المطلع على سريرته المجازي له بمقتضى نيته.
ولما كانت عادة المصنفين أن يضمنوا الخطب اصطلاحهم في مذاهبهم واختياراتهم، وكان من رأي المصنف جواز اختصار الحديث والرِّواية بالمعنى، والتدقيق في الاستنباط، وإيثار الأغمض على الأجلى، وترجيح الإسناد الوارد بالصيغ المصرحة بالسماع على غيره، استعمل جميع ذلك في هذا الموضع بعبارة هذا الحديث متنًا وإسنادًا.
وقد وقع في رِواية حماد بن زيد في باب الهجرة، تأخرُ قوله:«وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ») عن قوله: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا»، فيحتمل أن تكون رِواية الحميدي وقعت عند البُخارِيّ كذلك، فتكون الجملة المحذوفة هي الأخيرة، كما جرت به عادة من يقتصر على بعض الحديث، وعلى تقدير أن لا يكون ذلك، فهو مصير من البُخارِيّ إلى جواز الاختصار في الحديث - ولو من أثنائه - وهذا هو الراجح والله