للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك تأوله الخطابي في «معالم السنن» (١) قال: يتأول على أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، وتقبل وتدبر في المسجد عابرة، إذ لا يجوز أن تترك الكلاب وانتياب المساجد حتى تمتهنه وتبول فيه، وإنما كان إقبالها وإدبارها في أوقات نادرة، ولم يكن على المسجد أبواب تمنع من عبورها فيه.

وقد اختلف الناس في هذه المسألة: فروي عن أبي قلابة أنه قال: جفوف الأرض طهورها، وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: الشمس تزيل النجاسة عن الأرض إذا ذهب الأثر، وقال الشافعي وأحمد: الأرض إذا أصابتها النجاسة لا يطهرها إلا الماء. اهـ.

وتعقبه العيني في «عمدة القاري» (٢) وقال: إنما تأول الخطابي بهذا التأويل حتى لا يكون الحديث حجة للحنفية في قولهم، لأن أصحابنا استدلوا به على أن الأرض إذا أصابتها نجاسة، فجفت بالشمس أو بالهواء فذهب أثرها تطهر في حق الصلاة، خلافًا للشافعي وأحمد وزفر، والدليل على ذلك أن أبا داود وضع لهذا الحديث باب طهور الأرض إذا يبست، وأيضًا قوله: فلم يكونوا يرشون شيئًا إذ عدم الرش يدل على جفاف الأرض وطهارتها، ومن أكبر موانع تأويله أن قوله: (في المسجد) ليس ظرفًا لقوله: تبول وما بعده كلها، ويقال الأوجه في هذا أن يقال: كان ذلك في ابتداء الإسلام على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد وتطهيره وجعل الأبواب على المساجد. اهـ.

وقال الحافظ في «الفتح»: والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء


(١) ١/ ٢٢٦.
(٢) ٢/ ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>