وهكذا يتبين أن الصَّدفي كتب بخطه من «صحيح البُخارِيّ» نسختين كانتا معًا معروفتين، إحداهما من أصل الباجي والأخرى من أصل محمد بن علي بن محمود، غير أن التي اشتهرت الثانية، ولاسيما بعد انتقالها إلى طرابلس بليبيا، بينما استمرت الأولى مجهولة حتى كشفت عنها نسخة المكتبة الحسنية المتفرعة عنها دون أن نعرف عن أصل الصَّدفي الأول أية معلومات أخرى ونجهل مصيره بالمرة.
وعلى كلٍّ تم استقرار النسخة المكتوبة من خط محمد بن علي بن محمود في طرابلس، وهكذا كانت طريقة الإتيان بها من إسطنبول إلى طرابلس، ويبقى الإجابة على سؤال وهو: كيف انتقلت هذه النسخة من بلاد الأندلس إلى إسطنبول عاصمة العثمانيين؟
يبدو أن انتقال هذا الأصل من الأندلس إلى بلاد المغرب ثم إلى العاصمة التركية، شأنه شأن كثير من المخطوطات التي حملت إلى العاصمة، سواء بطريق الفداء أو طريق المجاملة.
فلقد ظل همُّ الملوك المغاربة مركزًا على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذلك التراث الذي وقع بأيدي القشتاليين.
على أن هناك مسلكًا آخر يمكن أن يكون الكتاب أخذه في الالتحاق بالمغرب، هو الطريق العائلي؛ حيث توجد بفاس منذ القرن السادس الهجري أسرة تحمل اسم: ابن حيون الصَّدفي، وقد اشتهرت من بينهم شخصية كبيرة هو أبو مروان عبد الملك ابن حيون (ت٥٥٩ هـ) كما عرف منهم القاضي الحيوني (ت٦٨٧ هـ) قاضي فاس المشرف على القرويين.
وقد اشتهر ابن حيون بالأعمال الإحسانية الكثيرة وبأياديه الكبرى على جامع القرويين، ومن المعقول جدا أن تكون المخطوطة قد صارت إلى خديجة أو فاطمة بنت الشيخ أبي علي الصَّدفي، لاسيما وقد كانت على