هذا الكونُ مليءٌ بالشواهدِ التي تدلُّ على عظمةِ الخالقِ سبحانه وتعالى ـ، وكل شاهدٍ من هذه الشواهدِ يوصِلُ إلى الذي يليه حتى يصلَ الأمرُ إلى الشاهدِ الأكبرِ، وهو شهودُ جلالِ الربِّ ـ تبارك وتعالى ـ وعظمتِهِ، وقديمًا قال الأعرابيُّ:«البعرةُ تدلُّ على البعيرِ، ومسيرُ الأقدامِ يدلُّ على المسيرِ، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ وأرضٌ ذاتُ فجاجٍ، وبحارٌ ذاتُ أمواجٍ، أفلا يدلُّ ذلك على اللطيفِ الخبيرِ».
ولنتأملْ معًا رحلةَ الشواهدِ التي يحكيها لنا الإمامُ ابنُ القيمِ رحمه اللهُ وهي رحلةُ التأملِ والتفكرِ والنظرِ بعينِ البصيرةِ والمعاينةِ لكلِّ ما حولَنا في هذه الدنيا، ولكلِّ ما سيكونُ في الآخرةِ من مشاهدَ وأهوالٍ وصولًا إلى دارِ المتقينَ الجنةِ، ودارِ الكافرينَ النارِ، ثمَّ مشاهدُ عذابِ أهلِ النارِ وأعظمُهُ حجبُهم عن اللهِ تعالى:{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}[المطففين:١٥]، ونعيمِ أهلِ الجنةِ وأعظمُه رؤيةُ الربِّ العظيمِ في يومِ المزيدِ:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢ - ٢٣]، ثم الانتقالُ بعد ذلك إلى مشاهدِ صفاتِ هذا الإلهِ العظيمِ والربِّ الكريمِ، فيكونُ هذا أعظمَ المشاهدِ في قلبِ المؤمنِ. قال الإمامُ ابن القيم (١):
١ - شاهد الدنيا:
فأولُ شواهدِ السائرِ إلى اللهِ والدارِ الآخرةِ: أن يقومَ به شاهدٌ من الدنيا وحقارتِها، وقلةِ وفائِها، وكثرةِ جفائِها، وخسةِ شركائِها، وسرعةِ انقضائِها.