للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعظيمُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لربِّه

إذا كان التعظيمُ ثمرةً من ثمراتِ المعرفةِ فقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أعرفَ الخلقِ بربِّه، وكيفَ لا يكونُ كذلكَ وهو الذي اصطفَاهُ ربُّه وعلَّمَه {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:١١٣]، ومنْ تدبَّرَ في عبادةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وذكرِهِ ودعائِه ولجوئِه إلى ربِّه عَلِمَ أنَّهُ أعظَمُ من عَظَّمَ الله تعالى، فقدْ كان - صلى الله عليه وسلم - يقومُ من الليلِ حتى تتفطَّرَ قدماه، فقالتْ له عائشة رضي الله عنها: تفعلُ ذلك وقد غُفِرَ لك ما تقدمَ من ذنبِك وما تأخرَ!! فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أفلا أحبُّ أن أكون عبدًا شكورًا» (١).

ومن تعظيمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لربِّه أنه كان يسدُّ جميعَ الأبوابِ التي تُفضِي إلى الغلوِّ فيه وإخراجِه عن حدودِ العبوديةِ والرسالةِ التي أَنْزَلَهُ اللهُ تعالى إيَّاها، فكان - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «لا تُطْروني كما أطرتِ النصارى ابنَ مريمَ، إنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه» (٢).

وعن محمدِ بن جبيرِ بن مطعِمٍ عن أبيه قال: أتى رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أعرابيٌّ فقال: يا رسولَ الله! جَهِدت الأنفسُ، وضاعتِ العيالُ، ونُهكتِ الأموالُ، وهلكتِ الأنعامُ، فاستسِقِ اللهَ لنا، فإنا نستشفِعُ بكَ على اللهِ، ونستشْفِعُ باللهِ عليكَ. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ويحك! أتدري ما تقولُ؟»، وسبَّحَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فما زالَ يسبِّحُ حتى عُرِفَ ذلك في وجوهِ أصحابِه، ثم قال: «إنَّه لا


(١) البخاري (١١٣٠)، مسلم (٢٨١٩)، الترمذي (٤١٢).
(٢) البخاري (٣٤٤٥)، مسلم (١٦٩١)، أحمد (١٥٥).

<<  <   >  >>