ومن آثارِهِمَا: مغفرةُ الزلَّاتِ، وإقالَةُ العَثَرَاتِ، والعَفْوُ عن السيئاتِ، والمسامحةُ على الجناياتِ، مع كمالِ القدرةِ على استيفاءِ الحقِّ، والعلمُ منه سبحانه بالجنايةِ ومقدارِ عقوبَتِها، فحِلمُهُ بعدَ علمِهِ، وعفوُهُ بعدَ قدرَتِهِ، ومغفرَتُهُ عن كمالِ عزَّتِهِ وحكمَتِهِ، كما قال المسيح عليه السلام:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:١١٨]، أي فمغفرتُك عن كمالِ قدرتِكَ وحكمتِكَ، لستَ كمن يغفرُ عَجْزًا، ويسامحُ جَهْلًا بقدرِ الحقِّ، بلْ أنت عليمٌ بحقِّكَ، قادرٌ على استيفائِه، حكيمٌ في الأخذِ به.
فمن تأملَ سريانَ آثارِ الأسماءِ والصفاتِ في العالمِ، وفي الأمرِ، تبيَّنَ له أن مصدرَ قضاءِ هذه الجناياتِ من العبيدِ، وتقديرَها: هو من كمالِ الأسماءِ والصفاتِ والأفعالِ. وغاياتُها أيضًا: مقتَضَى حمدِه ومجدِه، كما هو مقتَضَى ربوبيَّتِهِ وإلهيَّتِهِ.
فله في كلِّ ما قَضَاهُ وقَدَّرَهُ الحكمةُ البالغةُ، والآياتُ الباهرةُ، والتعرفاتُ إلى عبادِه بأسمائِه وصفاتِه، واستدعاءُ محبتِهم له، وذكرِهم له، وشكرِهم له، وتعبدِهم له بأسمائِه الحُسْنَى. إذ كلُّ اسمٍ فله تعبُّدٌ مختصٌّ به، علمًا ومعرفةً وحالًا.
وأكملُ الناسِ عُبوديةً: المتعبِّدُ بجميعِ الأسماءِ والصفاتِ التي يطلعُ عليها البشرُ، فلا تحجُبُه عبوديةُ اسمٍ عن عبوديةِ اسمٍ آخرَ، كمنْ يَحْجُبُهُ التعبدُ باسمِ (القديرِ) عن التعبُّدِ باسمِ (الحليمِ الرحيمِ) أو يحجُبُهُ عبوديةُ اسمِه (المُعطِي) عن عبوديةِ اسمِه (المَنَّاعِ) أو عبوديةِ اسمِهِ (الرَّحيمِ والعفوِّ والغفورِ) عن اسمِه (المنتقمِ) أو التعبُّدُ بأسماءِ (التودُّدِ، والبِرِّ، واللُّطفِ،