للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما قوله: «لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكُم وإنسَكُم وجنَّكُم قاموا في صعيد واحد».

إلى آخره ففيه تنبيه الخلق على أن يعظموا المسألة ويوسعوا الطلب، ولا يقتصر سائل ولا يختصر طالب؛ فإن ما عند الله لا ينقص، وخزائنه لا تنفد، فلا يظن ظان أن ما عند الله يغيضه الإنفاق كمال قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: «يدُ الله مَلْأَى لا يغُيضُها نفقةٌ سَحَاء الليلِ والنَّهار أرأيتُم مَا أنفَقَ منذُ خلقَ السَّمواتِ والأرضَ فَإِنَّه لم يغضْ مَا في يَمينه» وسر ذلك أن قدرته صالحة للإيجاد دائما لا يجوز عليها عجز ولا قصور والممكنات لا تنحصر ولا تتناهى.

وقوله: «إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر».

هذا مثل قصد به التقريب إلى الأفهام بما نشاهده، والمعنى: أن ذلك لا ينقص مما عنده شيئا والمخيط ـ بكسر الميم وإسكان الخاء وفتح الياء ـ: هو الإبرة.

وقوله: «إنَّما هي أعمالُكم أُحصيهَا لَكُم، ثُمَّ أُوفِيكُم إيَّاهَا فمن وَجدَ خيرًا فليحمد الله».

يعني لا يسند طاعته وعبادته من عمله لنفسه بل يسندها إلى التوفيق ويحمد الله على ذلك.

وقوله: «ومن وجد غير ذلك».

لم يقل ومن وجد شرًا يعني: ومن وجد غير الأفضل.

«فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نفسَهُ» أكد ذلك بالنون تحذيرا أن يخطر في قلب عامل أن اللوم تستحقه غير نفسه، والله أعلم (١).


(١) شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص:٨٠).

<<  <   >  >>