فمدارسنا -إذن- لا توصل إلى الغاية العلمية النظرية، فلننظر إلى الغاية العَمَلية: هل تبلّغنا إياها؟
هل تُعِدّ مدارسُنا التلاميذَ إعداداً جيداً للنجاح في الحياة، وضمان الكسب الطيب والعيش الرغد، مع الخلق القويم والإيمان العميق؟ الجواب -فيما أحسب- مُشاهَد ملموس؛ هو أن مدارسنا، معشرَ العرب لا معشر السوريين فقط، لا تكاد تخرّج إلا أطباء أو محامين أو مدرّسين أو موظفين.
أما الوظائف فعددها محدود لا يمكن أن يتسع لكل المتعلمين، ولا ينبغي أن يتسع لهم. وأما الأطباء والمحامون في دمشق فقد صاروا من الآن أكثر من اللازم بكثير، وغدا جلّهم يقنع بالربح القليل. أما التجارة والزراعة وسائر طرق الرزق فإن أكثر أهلها أو كلهم ممّن لم تخرّجهم المدارس، بل خرّجوا أنفسهم في مدرسة الحياة الكبرى.
وأصل المسألة أن نظام التعليم في بلادنا كالدار القديمة التي بُنيَت من غير هندسة وعلى غير مخطَّط، لا يفتأ أصحابها يتعاهدونها بالإصلاح، ويحاولون مرة جعلها على الأسلوب العربي، وتارة على الأسلوب القوطي، وطوراً على الأسلوب الأميركي الحديث، ينفقون عليها أضعاف ما يكفي لبناء دار جديدة، ويرضون أن يجعلوها -من كثرة التجارب وتعدد الأساليب- كالثوب المرقَّع، ولكنهم لا يجرؤون على هدمها من أساسها وتنظيف أرضها وبنائها من جديد على هندسة صالحة ونمط صحي نافع.