كنت كلما درّست الأدب العربي أعجب لما أجد من انصراف الطلاب عن نثره إلى شعره، على حين أنهم أميَل إلى النثر في الأدب الفرنسي منهم إلى الشعر، ففكرت فرأيت أن السبب في ذلك المناهج.
فالذي تقرّر المناهج تدريسه من النثر العربي في مصر والشام والعراق لا يخرج في جملته عن رسائل ميتة لا روح فيها، أو فقرات جامدة مسجَّعة أو غير مسجَّعة، ليس فيها وصف يهز القلب أو معنى يوقظ الفكر، حتى إن ما يُختار لمثل الجاحظ (وهو في رأيي أحد الخمسة الذين انتهت إليهم إمامة النثر العربي؛ الجاحظ وأبي حيان التوحيدي والغزالي وابن خلدون ومحيي الدين بن عربي) هو من المُمِلّ المُضجِر، كوصف الكتاب وصفاً هو مجموعة جمل مستقلة تشبه حِكَم أكثم بن صيفي، ليس بينها ارتباط، ولا يفسدها التقديم فيها ولا التأخير، ويصعب استظهارها وحفظها، مع أن للجاحظ المعجِب المطرِب والمبهِج المرقِص من القصص والأوصاف؛ فكان من ذلك أن رغب