ظهر في هذه القرون الثلاثة الأخيرة علماء لا يحصيهم العد، ألّفوا مؤلَّفات لا يحيط بها الحصر. ولم يكن في هؤلاء العلماء جميعاً مَن هو أرسخ قدماً في الفقه وأنفذ فيه فكراً من العالم الذي أقص عليكم اليوم قصة حياته، ولم يكن في هذه المؤلَّفات جميعاً ما هو أكثر ذيوعاً وأعمّ نفعاً من الكتب التي ألفها هذا العالم.
ذلكم هو ابن عابدين، صاحب «الحاشية» المشهورة التي صارت عمدة المُفتين في المذهب الحنفي، والتي لا يضارعها ولا يقاربها -في تحقيق مسائلها وفي إقبال الناس عليها- كتاب من كتب المذهب.
(١) لم يُنشَر هذا الفصل من قبل قط لأنه لم يكتمل، كما سترون فيما يأتي. ولو أنه كان ترجمة لعَلَم من الأعلام فحَسْب لضمَمتُه إلى كتاب «رجال من التاريخ» في طبعته الجديدة فيما سأضمّ من ترجمات إن شاء الله، لكني وجدته أقربَ إلى مادة هذا الكتاب لأنه بحث في رسائل ابن عابدين، والترجمة هذه كأنها مقدّمة للبحث لا تكاد تكون مستقلة بذاتها (مجاهد).