للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعجب أن من الناس -على هذا- من يحنّ إلى أيام تلك الكتاتيب ويتمنى أن تعود!

ثم علّمت في طبقات المدارس كلها، في الشام مُدُنِه وقُراه، وفي العراق شماليّه وجنوبيّه، وفي المملكة غربها ووسطها، وألقيت عشرات وعشرات وعشرات من المحاضرات في هذه البلاد، وفي الأردن وفي لبنان (وهما في العرف العربي من الشام) وفي مصر، وفي كراتشي وبومباي وسنغافورة وجاكرتا وسورابايا في آخر المشرق من جنوبي آسيا، وفي مدن الغرب من أوربا، في ألمانيا وبلجيكا وهولندا، وكنت فيها كلها أَلقَى الطلاب وأحاورهم، أسمع منهم وأُسمعهم وأعرف ما عندهم.

فما الذي وجدت بعد هذا كله؟

وجدت أن الطلاب الآن هم -في الجملة- غير الطلاب الذين عرفتهم بالأمس؛ لا أعني أن أشخاصهم قد تبدلت، فهذا واضح لا يحتاج إلى إيضاح، ولكن أعني ما في رؤوسهم من علم، وما على ألسنتهم من فصاحة وبيان، وما في قلوبهم من خير ومن إيمان.


= فلبثت في هذا الكُتّاب من بعد صلاة الظهر إلى أن كان الانصراف بعد العصر، ساعتان أو ثلاث ساعات مرّ عليها الآن ثلاث وسبعون سنة، وكلّما تذكّرتها أحسست الرعب الذي أصابني فيها والألم الذي دخل عليّ منها والشقاء الذي استهللت به حياتي العلمية. فماذا يكون مبلغ العذاب الذي مرّ عليه أكثر من سبعين سنة ولا تزال مرارته في قلبي، ولا أزال كلّما ذكرته كأنني أراه أمامي؟! " (الذكريات ٥/ ٣٣٣ من الطبعة الجديدة) (مجاهد).

<<  <   >  >>