للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ضرب غرائب الإبل في خطبة الحجّاج (١).

وفي دراسة نقائض جرير والفرزدق أدبٌ كثير، وفيها -كما قال يونس- ربع اللغة، وهي أنفع شيء في إقامة اللسان وتقوية السليقة، ولكنها توحي بتحسين الأعراف الجاهلية في الحياة، تلك الأعراف التي كان إبطالها من جملة أغراض الإسلام. وفي شعر بشار وأبي نُواس وأمثالهما أدبٌ كثير، ولكنّ فيه هدمَ الأخلاق ونشرَ الفساد. وفي شعر أبي العتاهية أدبٌ كثير، ولكنّ فيه قتلَ الطموح والاستسلامَ إلى اليأس. وكذلك المتنبي في تزوير التاريخ وتشويه الحقيقة، حين يرفع سيف الدولة وهو طاغية ظالم (وإن كان قائداً مظفَّراً) ويخفض كافوراً وهو من أصلح الملوك ...

والشواهد كثيرة، وأنا ما أردت الاستقصاء لكن التمثيل، لأبيّن أن أستاذ الأدب يستطيع أن يكون موجِّهاً ومُصلحاً إذا لم يكتَفِ -عند اختيار النصوص للدراسة والاستظهار- ببلاغة لفظها وصفاء ديباجتها، بل ينظر إلى ما توحي به من خُلُق وما تشتمل عليه من توجيه.

* * *


(١) السَّلَم نوع من الشجر، واحدته سَلَمَة. وكانت هذه أولَ خطبة خطبها الحجّاج في الكوفة لمّا ولي العراق أيام عبد الملك، قال فيها: "ألا إن أمير المؤمنين كَبَّ كِنانتَه فعَجَم عيدانَها فوجدني أصلبَها عوداً، فوجّهني إليكم ... أما والله لألحُوَنَّكم لَحْوَ العصا (يقال: لحا العودَ أو الشجرةَ لَحْواً: قَشَرها)، ولأعصِبَنّكم عَصْب السَّلَمة، ولأضربنّكم ضربَ غرائب الإبل ... "، وهذا مثل ضربه للناس يهدّدهم به، ذلك أن الإبل إذا وردت الماء فدخلت عليها غريبةٌ من غيرها ضُربت وطُردت حتى تخرج منها. انظر «العقد الفريد» ٥/ ١٨ (مجاهد).

<<  <   >  >>