ولكن كل واحد من السامعين كان يخشى أن يصرّح بما أحس به -بعد هذه الدعاية المسرحية التي كانت للمحاضرة- فيُتّهَم بعدم الفهم! ولو كانت هذه المحاضرة كلمة ألقيت في حفلة شاي بمناسبة عارضة لكان للرجل بعض العذر، ولكنه موضوع أعدّه من أكثر من سبع سنين، وقد خبّرَ به صديقي الأستاذ سعيد الأفغاني سنة ١٩٤٧ وقال له إنه يريد أن يحاضر به في دمشق، وخبّرني الأستاذ الأفغاني بهذا من سنين.
ولا عجب أن يجيء هذا من طه، ولكن العجب من أهل الشام، يَدَعون الكَفِيّ القدير من أهل بلدهم، ويُجَنّون بكل قادم عليهم فيرفعونه إلى حيث لا تحمله أجنحته؛ فيوماً ترتَجّ البلد ويطير العقل منها لأن طه حسين جاء يحدّثها بما يعرفه كل مدرّس للأدب في الثانوي وكل طالب للأدب في الجامعة، ويوماً تُقيم مهرجاناً لأبي ماضي، ويوماً تبتدع عيداً قومياً لإحياء ذكرى هذا المأفون ابن سرجون!