وكان يوماً يقرأ القرآن -كما علمه أبوه- والناس عاكفون على بيعهم وشرائهم، فمرّ به رجل، فسمعه يلحن، فزجره وأنكر عليه، وقال له: إن القرآن ما أُنزل لنقرأه بلا فهم كما تنطق الببغاء، بل لتدبّر معانيه والعمل به. وأنت ترتكب في قراءتك هذه ذنبين: الأول أن هذا محل للتجارة، والناس لا يستمعون قراءتك فيرتكبون الإثم بسببك، والثاني: أن قراءتك ملحونة، وأنت لا تقيم لسانك بها ولا تتدبر معاني ما تقرأ.
خير البرّ عاجله
وكان صبياً يومئذ، لم يبلغ الحلم، ولكنه أدرك -مع ذلك- صحة ما قال الرجل، فاستأذن أباه وذهب من فوره فسأل عن أقرأ أهل البلد، فدلّوه على الشيخ سعيد الحموي، وكان شيخ قرّاء الشام في تلك الأيام، فذهب إليه في حجرته في المسجد وطلب منه أن يعلمه أحكام القرآن بالتجويد.
ولازمه مدة حفظ فيها الشاطبية والجَزْرية والميدانية، وقرأها عليه قراءة إتقان وإمعان، فجمع القراءات بطرقها وأوجهها.
بداية طلب العلم
ولما رأى ذلك أبوه رغّبه في العلم وأشار عليه بموالاة الطلب. وكان قد وجد لذة العلم وأحبّ الشيخ، فقرأ عليه النحو والصرف والفقه الشافعي.
والنحو هو ثمرة علوم العربية كلها، وكلها مقدّمات له