الإسبان جيشاً ضخماً يريد أن يهاجم به مملكة الملك الشاعر ابن عبّاد، وكان وزيره هو الوزير الشاعر ابن عمّار (الذي حدثتكم السنة الماضية طرفاً من حديثه (١) فوجّهه إلى قتاله. ولم يكن لمملكة ابن عمار طاقة بالإسبان، فاعتمد ابن عمار على الحيلة. وكان لاعباً بالشطرنج، لا نظير له ولا يقوم له في اللعبة أحد، فصنع رقعة نادرة المثال وتأنق فيها، وجعل قطع اللعب من الأبنوس والصّنْدل والعود الرطب، وحلاّها بالذهب والجواهر، ووضع فيها من عبقرية الفن ما جعلها تحفة.
وكان ملك الإسبان ممن يلعب الشطرنج، فوجّه إليه ابن عمار رسولاً من قِبَل الملك المعتمد للمفاوضة، وحمل معه هذه الرقعة وهذه القطع. وكانت لابن عمار منزلة أدبية ومكانة اجتماعية حملت ملك الإسبان على أن يستقبله ويبالغ في إكرامه ويأمر وجوه دولته بالتردد على خبائه، وتلطف ابن عمار حتى أراه الرقعة والقطع، فلما رآها دُهش لها وجُنّ بها وسأله أن يهبها له، فأبى إلاّ بشرط. قال: وما هو؟ قال: ألعب معك عليها، فإن غلبتني كانت لك، وإن غلبتك كان لي حكمي.
ومثل هذا الشرط لا يجوز بين المسلمين، ولكنه مع كافر، والحرب خدعة. ورشا ابن عمار وزراء الملك الإسباني ووزّع عليهم المال الجمّ والهدايا الثمينة ليساعدوه عند الملك، فما زالوا بالملك يهوّنون عليه الأمر ويقولون: إن غلبته كانت لك رقعة
(١) انظر فصل «الوزير الشاعر»، وهو في كتاب «رجال من التاريخ» (مجاهد).