للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعلّق عليه (١). أما عظمة ابن عابدين وفقهه وسعة روايته وكثرة اطلاعه على كتب الحنفية فتتجلى في رسائله. إنّ كل رسالة منها بحث كامل يصحّ أن يكون أساس أطروحة لنيل الدكتوراة، لا بل هي أعظم من ذلك بلا جدال. (٢)


(١) ذلك لأن الحاشية إنما هي شرح مطوَّل لكتاب «الدُّر المُختار»، وهذا الكتاب نفسه شرح لمَتْن سَبَقه. وهذه كانت عادة المتأخرين من المؤلفين، يبدأ أحدهم بالمَتْن، ثم يأتي من يشرحه ثم من يُحَشّي على الشرح، وهكذا في سلسلة طويلة نرى آثارها في مئات من كتب الفقه في المذاهب الأربعة جميعاً. والكتب الثلاثة التي صنعت «الحاشية» جاءت كلها من القرون المتأخرة كما هو متوقَّع: المتن الأصلي «تنوير الأبصار وجامع البحار» للشيخ شمس الدين التَّمرتاشي الغَزّي المتوفى سنة ١٠٠٤هـ، وشرحه «الدّر المُختار شرح تَنوير الأبصار» للعلاء الحَصكَفي المتوفى سنة ١٠٨٨، ثم «ردّ المُحتار على الدر المختار»، وهو الكتاب الذي اشتهر باسم حاشية ابن عابدين، صاحبنا هذا المتوفى سنة ١٢٥٢. وفي «الأعلام» للزركلي أن لصاحب المتن الأصلي شرحاً مخطوطاً على متنه لم يُطبَع اسمه «منح الغفّار شرح تنوير الأبصار»، ووجدت في «هديّة العارفين» للبغدادي أن للشارح (العلاء الحَصكَفي) شرحاً آخر أوسع اسمه «خزائن الأسرار وبدائع الأفكار في شرح تنوير الأبصار»، ولم أقع له على خبر. أخيراً ينبغي أن نقول إن ابن عابدين قد توفي قبل أن يتم حاشيته، فأتمّها ابنه الشيخ محمد علاء الدين (ت ١٣٠٦) في مجلدين، وسمّى التتمة «قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار» (مجاهد).
(٢) وصفها في «الذكريات» فقال: "رسائل ابن عابدين المشهورة أُعيدَ طبعها الآن ووُجدت في الأسواق بعد أن كانت نادرة يكاد يتعذّر وجودها، وكل رسالة منها تصلح أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة" (٨/ ٢٨ من الطبعة الجديدة) (مجاهد).

<<  <   >  >>