للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زوجة، وإن كان لم يتحقق وجود ذلك في ذلك الزمان، فإنه جائز بشرطه في مستقبله.

وإذا لم يكن في الآية الفرقُ بين الحرائر والإِماء بيِّنًا، وجب النظر في غيرها، فوجدنا الذاهبين إلى الفرق بينهن، ذكروا ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من ضربه الإِماء على التشبه بالحرائر في (الزي) (١)، وهو إذا تحقق لم يُفهم ذلك منه فهمًا متعينًا، ولا أيضًا أعرفه صحيحًا عنه (*).


(١) في الأصل: "الذي"، ولعل الصواب ما أثبت، ونقل الحطاب: ١/ ٥٠١، عن ابن ناجي: أنه قال عند قول خليل: "ولا تطلب أمة بتغطية رأس": ظاهره أن لها أن تصلي بالقناع؛ لأن اللام للتخيير، وليس كذلك، وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يضرب من تغطي رأسها من الإماء لئلا يتشبهن بالحرائر".
(*) قال الحافظ ابن حجر في كتاب "الدراية": إن عمر ضرب أمة رآها متقنعة، وقال: "اكشفي رأسك، ولا تتشبهي بالحرائر" قال: أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح، ونقل عن البيهقي قوله: "الآثار عن عمر بذلك صحيحة".
وعزا إلى ابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عن أنس: أنه قال: "رأى عمر أمة عليها جلباب فقال: عتقتِ؟ قالت: لا، قال: ضعيه عن رأسك، إنما الجلباب على الحرائر، فتلكأت، فقام إليها بالدرة، فضرب رأسها حتى ألقته". وعزا أيضًا إلى محمد بن الحسن في الآثار، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم مثله، وفيه: "لا تتشبهي بالحرائر". انظر: الدراية، باب شروط الصلاة، ص: ١٢٤.
فهذه الروايات التي أوردها الحافظ في "الدراية" كلها صحيحة؛ أكَّد ذلك: البيهقي، وكذا الحافظ ابن حجر، وقد خفي أمرها على المصنف، ولذلك نجده يقول بعد الرواية عن: عمر بضربه الإِماء على التشبه بالحرائر في الزي. "ولا أعرفه صحيحًا عنه"، ويقول أيضًا بعد رواية أبي بكر بن المنذر: من أن عمر، قال لأمة رآها مقنعة: "اكشفي عن رأسك، لا تتشبهي بالحرائر": وهذا أيضًا كذلك.
وإذا تأكد صحة هذه الروايات عن عمر - رضي الله عنه -، كانت سندًا قويًا لمن يذهب إلى أن الأمة تخالف الحرة فيما هو عورة منهما، إذ وقع الاتفاق بين العلماء على أن شعر الحرة من العورة، أما شعر الأمة -بمقتضى هذه الروايات عن عمر- ليس من العورة، وبكشفها لشعرها يقع الفرق بينها وبين الحرة. والله أعلم.

<<  <   >  >>