وبه إلي ابن الجوزي، أنا إسماعيلُ بنُ أحمد، أنا محمّدُ بنُ هبةِ الله، أنا محمّدُ بنُ الحسين، أنا عبدُ الله بنُ جعفرٍ، حدثني الحميديُّ وابنُ أبي عمرَ، قالا: ثنا سفيان، ثنا عاصمُ بنُ كليبٍ، أخبرني أبي: أنه سمع ابنَ عباسٍ يقول: كان عمرُ بنُ الخطاب إذا صلّي صلاةً، جلس للناس، فمن كانت له حاجةٌ، كلّمه، وإن لم يكن لأحد حاجة، قام فدخل فصلي صلواتٍ لا يجلس للناس فيهنَّ، فحضرت البابَ، فقلت: يا يرفأُ! أبأمير المؤمنين شَكاة؟ قال: ما بأمير المؤمنين شكاة، فجلستُ، فجاء عثمانُ فجلسَ، فخرج يرفأُ، فقال: قم يا بنَ عفانَ، قم يا بنَ عباسٍ، فدخلنا علي عمر، فإذا بين يديه صبر من مال، علي كل صبرة منها كتفٌ، فقال: إني نظرتُ في أهل المدينة، فوجدْتُكما من أكثرِ أهلِها عشيرةً، فخذا هذا المال فاقسماه، فما كان من فضلٍ، فردَّاه، ثمَّ قال: أما كان هذا عندَ الله، ومحمّدٌ وأصحابُه يأكلونَ القِدَّ؟ فقلت: بلي والله! لقد كان عند الله، ومحمّدٌ حَيٌّ، ولو عليه فتح، لصنع فيه غيرَ الذي تصنع، فغضب، وقال: إذًا أصنعُ ماذا؟ قال: قلت: إذًا كُلْ وأطعِمْنا! فنشجَ عمرُ حتى اختلفتْ أضلاعُه، ثم قال: وَدِدْتُ أني خرجتُ منها كفافًا، لا عَلَيَّ ولا لي (١).
فانظر مع هذا العدل الزائدِ كيف يخاف علي نفسه من الإثم وعدمِ الأجر، وغيرُه من ظَلَمَةِ زماننا مع الظلم الذي ليس معه عدلٌ يحقق لنفسِه الأجرَ وعدم الإثم، ويدَّعي لنفسه العدلَ، ويُحَسِّن لهُ ذلك بعضُ
(١) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٣/ ٢٨٨)، والحميدي في "مسنده" (٣٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٣٥٨).