فإن قال قائل: كان الشيء عليهم قليلًا، فقد كذب؛ فإن الأموال كانت أكثرَ منها اليومَ، حتى إنه أتى عمرَ في بعض الفتوح خمسُ مئةِ حملِ حملٍ من الأموال، فلم يُبَيِّتْ منها شيئًا حتى قَسَمه، وأخذ ولدٌ من أولاده الصغار من ذلك درهمًا، فقام فخلَّصه منه، وردَّه.
فهل يرضى عبدُ أميرٍ أن يخرج ماشيًا من حمصَ إلي الحجاز ليس معه غيرُ عصا، وسقاءٌ وقدحٌ على هيئة الفقراء؟ وهل يقدرُ أحدٌ اليوم -مع تَجبُّرهم وتكبُّرهم بخيلهِ ورَجِلِه-[أن] يقطع هذه البراري، أو يدخلها؟
انظر كيف أُخذوا مع كثرتهم فيها غير مرة، وكلما تفاحموا وتكبروا، أذلَّهم الله -عَزَّ وَجَلَّ-، مثل هذا يكون على نيابة حمص، ويخرج في هذه الهيئة؟ لمثل هؤلاء يكون الخير، وكيف كانوا على هذه الحال في حال سلاطين الدنيا من كسرى وقيصر، ثمَّ يخافون منهم، ويقهرونهم؟ ومع ذلك لا يعتزُّون بمال، ولا رجال، ولا غيرِ الله -عَزَّ وَجَلَّ-.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا، أنا ابنُ المحبِّ، أنا عبدُ الله بنُ أبي الهيجاءِ، وأبو العباسِ بنُ شجاعٍ، وأبو العباس بن المعالي، أنا خطيب مَرْدا، أنا ابنُ الموازيني، أنا أبو يعلي السلميُّ، أنا أبو الفتح المقدسيُّ، أنا أبو الفتحِ الرازيُّ، أنا أبو الحسينِ بنُ فارسٍ، أنا أبو جعفرٍ محمَّدُ بنُ إبراهيم، أنا أبو يونس المدينيُّ، ثنا أبو الحارثِ عمرُ بنُ إبراهيمَ، ثنا عبدُ الله بنُ يحيى، عن أبيه، قال: دخل سليمان بنُ عبدِ الملك حاجَّاً، فسأل: هل رجلٌ أدركَ من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أحدًا؟ قالوا: نعم، أبو حازم، فأرسل إليه، فلمَّا أتاه،