للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهله، وإن لم تكنْ من أهله، فما حاجتك أن ترميَ عن قوس ليس لها وتر.

قال سليمان: يا أبا حازم! ما تقول فيما نحن فيه؟ قال: وتُعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: يا أبا حازم! أوصني، قال: نعم، سوف أُوصيك وأُوجز: نزّه الله -عَزَّ وَجَلَّ- وعظّمه أن يراك حيثُ نهاك، أو يفقدك من حيث أمرك، ثمَّ قام، فلما ولَّي قال: يا أبا حازم! هذه مئةُ دينار أنفقْها، ولك عندي أمثالًا كثيرة، فرمى بها، وقال: ما أرضاها لكَ، فكيف لنفسي؟ إني أعوذ بالله أن يكون سؤالك لي هزلًا، وردِّي عليك بذلًا، إن موسى بن عمران -عليهم السلام- لما ورد ماءَ مدين وجد عليه بضعة من الناس يسقون، ثمّ قال: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)} [القصص: ٢٤]، فسأله -عليه السلام- ربه -عَزَّ وَجَلَّ-، ولم يسأل الناس، ففطنتِ الجاريتان، ولم يفطن الرِّعاءُ، فأتتا أباهما، وهو شعيب -عليه السلام- فأخبرتاه، فقال شعيب: ينبغي أن يكون هذا جائعًا، ثمَّ قال لإحداهما: اذهبي ادعيه إليَّ، فلما أتته أعظمته، وغطَّت وجهها، وقالت: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: ٢٥]، فلما قالت: {أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}، كره ذلك موسى، وأراد ألَّا يتبعها، ثمَّ لم يجد بُدَّاً من أن يتبعها؛ لأنه كان في أرض مَسْبَعَةٍ وخوف، فخرج معها، وكانت امرأة ذاتَ عجز، وكانت الرياح تضربُ ثوبها، فتصف لموسى عجزها، فيغضي مرة، ويعرض أخرى حتى عِيلَ صبرُه، فقال: يا أمة الله! كوني خلفي، وأرني السمت -يريد: الطريق-، فأتيا إلي شعيب، والعَشاء مهيأ - فقال: اجلسْ يا شابُّ فكُلْ، فقال موسى:

<<  <   >  >>