لا، قال شعيب: ألستَ بجائع؟ قال: بلى ولكني من أهل بيت لا يبيع شيئًا من عمل الآخرة بملء الأرض ذهبًا، وأخشى أن يكون هذا أجرًا لما سقيتُ لهما، قال شعيب: لا يا شابُّ، ولكنها عادتي وعادةُ آبائي قِرى الضيف، وإطعامُ الطعام. قال: فجلس موسى بن عمران، فأكل.
قال أبو حازم: فإن كانت هذه المئة دينار عوضًا عما حَدَّثتك، فالميتةُ والدمُ ولحمُ الخنزير عندَ الإضطرار أحلُّ منه، وإن كانت من بيت مالِ المسلمين، فلي فيه شركاء ونظراء، فإن وازيتهم بي، وإلا فلا حاجة لي بها، إن بني إسرائيل لم يزالوا على الهدى والتقوى حيث كان أمراؤهم يأتون إلي علمائهم رغبةً في علمهم، فلما نكسوا، وسقطوا من عين الله تعالي، وآمنوا بالجِبْت والطاغوت، صار علماؤهم يأتون إلي أمرائهم من [أجل] دنياهم، ويشتركون معهم في فتكهم. فقال ابن شهاب: لعلَّك يا أبا حازم إياي تعني، وبي تعرِّض؟ فقال: ما إيَّاك اعتمدت، ولكن هو ما تسمع. قال سليمان: يا بن شهاب! تعرفه؟ قال: نعم جاري منذ ثلاثين سنة ما كلمتُه قط. قال أبو حازم: إنك نسيت فنسيتني، ولو أحببت الله لأحببتني. قال ابن شهاب: يا أبا حازم! أتشتمني؟ قال: ما شتمتك، ولكن أنت شتمتَ نفسك، أما علمتَ أن للجار على الجار حَقَّاً كحق القَرابة تجب. فلما ذهب، قال رجلٌ من جلساء سليمان: أتحبُّ أن الناسَ كلَّهم مثلُه؟ قال سليمان: لا (١).
(١) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٣/ ٢٣٤ - ٢٣٧)، واللفظ له، والدارمي في "سننه" (٦٤٧)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٢٢/ ٣٥ - ٣٨).