وقال بعضهم -وهو ظاهر كلامِ أحمدَ-: إنما هو مُرْصَدٌ؛ فإنه ليسَ ثمَّ مِن ميت إلا وله وارث من قريب أو بعيد، فإنّا نبدأ في الإرث بالأقرب فالأقرب، فلا بد للإنسان من أقارب، قربوا أو بعدوا, من أولاد أب، أو جد، أو جدِّ جدٍّ، أو جدِّ جدِّ جدٍّ، وكذلك هلمّ جراً، فهو لا يخلو منهم، وهم يرثونه، فلما جُهلوا، صار مالُه جُهِلَ مستحقُّه، فوُضع في محل يُرْصَدُ له فيه، وهو بيتُ المال، ثمّ مع عدم علمِه وجهلِه، صُرف في مصالح المسلمين العامة، فمالُ بيت المال يصرَف في مصالح المسلمين العامة، حتى إن تبقّى منها شيء، فإن لم يفِ بها، صُرف كلُّه في ذلك، وإن كفاها، ولم يفضُل منه شيء، فقد سدّ الوجهَ الذي هو محلُّه، وإن فضل منه شيء بعدها، قُسم بين المسلمين، ويقدَّم الأقربُ فالأقربُ من رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، من أبناء المهاجرين، ثمّ لمن كان من أبناء الأنصار، ثمّ سائر المسلمين.
وكان العطاء في زمن الخلفاء يصرف (١) إلى كلِّ أحدٍ حقه منه على قدره من صغير وكبير، حتى إلى الأطفال، وليس للولاة، ولا الإمام، ولا غيرِه أن يستأثروا منه بشيء فوق الحاجة، وفعلُ ذلك ظلم، ففي زمننا هذا استأثروا به كلّه، ولم يعطوا أحداً منه شيئاً، واختصّوا به، ولم يَكْفِهم حتّى أخذوا معه البراطيلَ على الولايات، والرّشَا، ولم يكفِهم ذلك حتّى أخذوا من الناس من أموالهم فوقَه.