للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَن يَمْلِك شيئًا دون النِّصابِ الشرعيِّ في الزَّكاة (١).

والمِسْكين مَنْ قَدَر على مالٍ أو كَسْبٍ حلالٍ لائقٍ (يقَع موقعًا مِن كِفايته)، وكفايةِ مُمَوِّنِه مِن مَطْعَمٍ وغيرِه، (ولا يَكْفِيه)، كمَنْ يحتاج عشرةً فيجد سبعةً أو ثمانيةً، وإن ملَك نِصابًا أو أنصباء، ومِن ثَمَّ قال في الإحياء: قد يَمْلِك ألفًا وهو فقيرٌ! وقد لا يَمْلِك إلا فأسًا وحَبْلاً وهو غنيٌّ! ولا يَمْنَع المسكنةَ المَسْكَنُ، والمُعْتَمَدُ أنَّ المرادَ بالكفاية هنا كفايةُ العُمر الغالب، نظير ما يأتي في الإعطاء، وإن فَرَّقَ بينهما فلا يقال: يَلْزَم على ذلك أخْذُ أكثر الأغنياء بل الملوك مِن الزَّكاة! لأنَّا نقول: مَن معه مالٌ يَكْفيه رِبْحُه، أو عقارٌ يكفيه دَخْلُه- غَنِيٌّ، والأغنياءُ غالِبُهم كذلك فضلاً عن الملوك، فلا يلزم ما ذُكِرَ، وقد عُلِمَ مِن ذلك أن المِسْكينَ أحسنُ حالاً مِن الفقير، خِلافًا لِمَنْ عكَس، واحتجوا بقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} (٢)؛ حيث سَمَّى مالكيها مَساكينَ؛ فدَلَّ على أن المِسْكينَ مَنْ يَمْلِك ما لا يكْفيه (٣).

ولا يُخْرِجُ الفقيرَ أو المِسْكينَ عن فَقْرِه ومَسْكَنَتِه أن يكونَ له مَسْكَنٌ لائقٌ به، مُحتاجٌ إليه، ولا يُكلَّف بيعه لِيُنفقَ منه، ومَن له عَقارٌ يَنْقُص دَخْله عن كفايته فهو فقيرٌ أو مِسكينٌ، نعم لو كان نفيسًا بحيثُ لو باعه استطاع أن يشتريَ به ما يَكْفيه دَخْلَه- لَزِمَهُ بيعُه فيما يظهر، ومِثْل المسكنِ فإنِ اعتاد السكنَ بالأُجرة ومعه ثمنُ مسكنٍ، أو له مسكنٌ: هل يَخْرُج عن الفقر بما معه؟ أجاب في نهاية المحتاج بالإيجاب، وخالفَهُ غيرُه، وكذلك حُليّ المرأة اللائقِ بها، المحتاجة للتزيُّن به عادةً، لا يُخرجها عن الفقر والمسكنة، وكذا كُتُب العلم التي يحتاج إليها ولو نادرًا كمرَّةٍ في السنة، سواء أكانتْ كتبَ عِلْمٍ شرعيٍّ؛ كالفقه، والتفسير،


(١) مجمع الأَنْهُر في شرح مُلْتَقَى الأبْحُر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده، يعرف بداماد أفندي (المتوفى: ١٠٧٨ هـ)، دار إحياء التراث العربي، (١/ ٢٢٠).
(٢) الكهف: ٧٩.
(٣) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي (المتوفى: ١٠٠٤ هـ)، دار الفكر، بيروت، الطبعة ١٤٠٤ هـ/١٩٨٤ م، كتاب الصدقات (٦/ ١٥٥).