للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ورد أن أول أرض أفاءها اللهُ على رسوله، أرضه من أموال بني النضير بالمدينة، أجلاهم عنها، وكفَّ عن دمائهم، وجعل لهم ما حملته الإبل من أموالهم إلا الحلقه-وهي السلاح- فخرجوا بما استقلَّت إبلهم إلى خيبر والشام، وخلصت أرضهم كلها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلَّا ما كان ليامين بن عمير وأبي سعد بن وهب- فإنَّهما أسلما قبل الظَّفر، فأحرزا أموالهما، ثمَّ قسَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سوى الأرضين من أموالهم على المهاجرين الأوَّلين دون الأنصار إلا سهل بن حنيف وأبا دجانة-سماك بن خرشة- فإنَّهما ذكرا فقرًا فأعطاهما، وحبس الأرضين على نفسه، فكانت من صدقاته يضعها حيث يشاء، وينفق منها على أزواجه، ثمَّ سلَّمها عمر إلى العبَّاس وعليٍّ، رضوان الله عليهما؛ ليقوما بمصروفها. (١)

قال الإمام الخصَّاف: عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، يقول: «ما أعلم أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر من المهاجرين والأنصار إلَّا وقد وقف من ماله حبسًا لا يُشترى ولا يورث ولا يوهَب حتَّى يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها». (٢)

وعن عثمان «أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة، وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: مَن يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دِلاء المسلمين بخير له منها في الجنَّة، فاشتريتها من صلب مالي». (٣)

وللدَّلالة على وفرة أوقاف الصَّحابة، قال الشَّافعي رحمه اللَّه: «بلغني أن ثمانين صحابيًّا من الأنصار


(١) الأوقاف النبوية ووقفيات بعض الصحابة الكرام، د. عبد الله بن محمد بن سعد الحجيلي (ص ١٤٦).
(٢) المرجع السابق (ص: ١٦٥).
(٣) سنن النسائي، كتاب: الأحباس، باب: وقف المساجد (٦/ ٢٣٥) حديث: ٣٦٠٨، وسنن الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه، وله كنيتان، يقال: أبو عمرو، وأبو عبد الله (٦/ ٦٨)، حديث: ٣٧٠٣ وانظر: صحيح البخاري مع الفتح: (٥/ ٤٠٧، (٥/ ٣٠).