يكون صاحبه يقدر على تسهيله وإيضاحه، فإذا نزلت عن هؤلاء فجرير والفرزدق فهما اللذان فتقا الشعر وعلما الناس وكادا يكونان خاتمي الشعراء. وكان ذو الرمة مليح الشعر يشبه فيجيد ويحسن، ولم يكن هجّاء ولا مدّاحا فيرفع، وليس الشاعر إلا من هجا فوضع أو مدح فرفع، كالحطيئة والأعشى، فإنهما كانا يرفعان ويضعان.
وقال عمر بن شبّة في طبقات الشعراء: للشعر والشعراء الأول لا توقف عليه.
وقد اختلف في ذلك العلماء وادعت القبائل كل قبيلة لشاعرها أنه الأوّل، ولم يدعوا ذلك لقائل البيتين والثلاثة لأنهم لا يسمون ذلك شعرا. فادّعت اليمانية لامرئ القيس. وبنو أسد لعبيد بن الأبرص. وتغلب لمهلهل، وبكر لعمرو بن قميئة والمرقش الاكبر، وإياد لأبي دواد. قال وزعم بعضهم أن الأفوه الأودي أقدم من هؤلاء، وأنه أوّل من قصد القصيد. قال: وهؤلاء النفر المدّعى لهم التقدّم في الشعر متقاربون، لعل أقدمهم لا يسبق الهجرة بمائة سنة أو نحوها. وقال أبو عمرو:
افتتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرمة. وقال أبو عبيدة، معمر بن المثنى:
الشعراء المتقدّمون، يعني النوابغ، منهم: امرؤ القيس بن حجر، والنابغة زياد بن عمرو، وزهير ابن أبي سلمى، والأعشى رابعهم. وأخرج ابن عساكر عن ابن الكلبي قال: أتى قوم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألوه عن أشعر الناس فقال: ائتوا حسان، فأتوه. فقال: ذو القروح، يعني امرأ القيس، لأنه لم يعقب ولدا ذكرا بل أناثا، فرجعوا فأخبروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: صدق، رفيع في الدنيا خامل في الآخرة، شريف في الدنيا وضيع في الآخرة، هو قائد الشعراء إلى النار. وفي المؤتلف للآمدي: ان امرأ القيس كان يلقب ذا القروح لأنه لما لبس الحلة المسمومة تقرّح جلده ومات فقيل له ذا القروح. وأخرج ابن عساكر في تاريخه من حديث أبي هريرة مرفوعا: امرؤ القبس قائد الشعراء إلى النار، لأنه أوّل من أحكم قوافيه.
وأصل الحديث في الصحيح بدون آخره بلفظ: حامل لواء الشعراء إلى النار. وقال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا أبو أسامة عن أبي سراعة عن عبادة بن نسى قال:
ذكر الشعراء عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، فذكروا امرأ القيس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مذكور في الدنيا منكور في الآخرة، حامل لواء الشعراء في جهنم يوم القيامة. قال ابن سلام (١): سبق امرؤ القيس العرب إلى أشياء ابتدعها، استحسنتها