في الليلة الرابعة ظن أبو كبير أن النعاس قد غلب على الغلام، فنام أوّل الليل إلى نصفه وحرسه تأبط شرا، فلما نام
الغلام ظن أنه قد استثقل نوما فأخذ حصاة فرمى بها، فقام الغلام كأنه كعب، فقال: ما هذه الوجبة؟ قال: لا أدري والله صوت سمعته في عرض الأبل، فقام يعسّ فلم ير شيئا، فعاد فنام، ففعل أبو كبير مثل ذلك ثانيا وثالثا فقام إليه تأبط شرا وقال له: يا هذا، قد رابني أمرك، والله لئن عدت أسمع شيئا من هذا إلا قتلتك، فقال أبو كبير: فبتّ والله أحرسه خوفا أن يتحرّك شيء من الأبل فيقتلني، فلما رجعا إلى حيهما قال أبو كبير: إن أم هذا لامرأة لا أقربها أبدا، فقال الأبيات.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل، والخطيب، وابن عساكر: بسند حسن عن عائشة، قالت: كنت قاعدة أغزل والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نورا، فبهت، فقال: مالك بهت؟ قلت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نورا، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم انك أحق بشعره حيث يقول:
ومبرّأ من كلّ غبّر حيضة ... وفساد مرضعة وداء مغيل
وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه ... برقت بروق العارض المتهلّل
فائدة: مطلع هذه القصيدة أورده ناظمها في عدة قصائد مغيرا منه الرويّ فقط، فقال أول قصيدة رائية (١):
أزهير هل عن شيبة من مقصر ... أم لا سبيل إلى الشّباب المدبر
فقد الشّباب أبوك إلّا ذكره ... فاعجب لذلك ذكر دهر واهكر
(١) أشعار الهذليين ٢/ ١٠٠ وانظر الشعراء ٦٥٢ وقد اورد ابن قتيبة أبياتا من قصيدة الشاهد ص ٦٥٣ - ٦٥٤.