للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: يا خناس، خاطبيه! فالتفتت إليه فقالت: ما أجود بيت في قصيدتك هذه فقال: قولي:

لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

فقالت: ضعفت افتخارك، وأنزرته في ثمانية مواضع في بيتك هذا، قال:

وكيف؟ قالت: قلت: لنا الجفنات، والجفنات مادون العشر، ولو قلت: البيض، لكان أكثر اتساعا (١). وقلت: يلمع، واللمع شيء يأتي بعد شيء، ولو قلت:

يشرقن (٢) لكان أكثر، لأن الاشراق أدوم من اللمعان. وقلت: بالضحى، ولو قلت: بالدجى، لكان أكثر طراقا. وقلت: وأسيافنا، والأسياف ما دون العشرة، ولو قلت: سيوفنا، كان أكثر. وقلت: يقطرن، ولو قلت: يسلن (٣) لكان أكثر.

وقلت: من نجدة، والنجدات أكثر من نجدة. وقلت: دما، والدماء أكثر من الدم.

فلم يجب حسان جوابا. وحكى ابن جني عن أبي علي الفارسي أنه طعن في صحة هذه الحكاية. وكذا نقل أبو حيان في شرح التسهيل، وقال ابن يسعون مجيبا عن حسان: الجمع في الجفنات نظير قوله تعالى (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ)، وأما الغر، فليس بجمع غرة، بل جمع غراء، وهي البيض المشرقات من كثرة الشحوم وبياض اللحوم.

وقوله: يلمعن، هو المستعمل في هذا النحو، يقال لمع السراب ولمع البرق. وقوله:

في الضحى، لأنه أراد أن طعامهم موصول، وقراهم في كل وقت مبذول. وقد وصف قبل هذا قراهم بالليل حيث قال:

وإنّا لنقري الضّيف إن جاء طارقا ... من اللّحم ما أضحى صحيحا مسلّما

وأما قوله: يقطرن، فهو المستعمل في مثل هذا، يقال: سيفه يقطر دما. ولم تجر العادة بأن يقال: سيفه يسيل دما، أو يجري دما، مع أن يقطرن أمدح، لأنه


(١) كذا بالاصل، وصحتها:
(ولو قلت الجفان لكان أكثر، وقلت الغر، ولا قلت البيض ..).
(٢) في الاغاني (يبرقن).
(٣) في الاغاني (يجرين).

<<  <  ج: ص:  >  >>