للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشمال، من الرياح. قال الأعلم: وصف نفسه أنه يحفظ أصحابه في رأس جبل إذا خافوا من عدوّ فيكون طليعة لهم. والعرب تفخر بهذا لأنه دال على شهامة النفس وحدّة النظر، وخص الشمال بالذكر لأنها تهب بشدة، وجعلها ترفع ثوبه لاشراف الرقبة التي يربأ فيها لأصحابه انتهى. واستشهد سيبويه في هذا البيت على إدخال النون في ترفعن ضرورة (١). واستشهد به أبو علي الفارسي على وقوع الماضي بعد (ربّ) إذا كفت بما قال، وهذا الموضع اللائق به التكثير، لأنه المناسب للمدح.

وقال صاحب المصباح في شرح أبيات الايضاح: يحتمل بقاء رب هنا على معناها من التقليل، لأن جزيمة ملك جليل، لا يحتاج مثله الى أن يبتذل في الطلائع، لكنه قد يطرأ على الملوك خلاف العادة فيفخرون بما ظهر منهم عند ذلك من الصبر والجلادة.

قال: وقوله: (ترفعن) كلام منقطع عما قبله، كأنه استأنف الحديث. وليس في موضع حال، لأن هذه النون لا تدخل على الحال. قال الفارسي وغيره: ووجه دخولها هنا أنه شبه (ما) في ربما (بما) النافية تشبيها لفظيا، فصار ترفعن وإن كان موجبا كأنه منفى. وقيل: إنما ذلك لأن ربّ للتعليل. والتعليل يضارع النفي، كما قال الآخر (٢):

قليل بها الأصوات إلّا بغامها

أي ليس بها صوت إلا بغامها. قال في المصباح: والأكثرون رووا البيت هكذا ورواه أبو الفرج الاصبهاني بلفظ:

ترفع أثوابي شمالات

وهي رواية حسنة جدا، ورواه ابن حزم بلفظ:

ربّ ليل قد سريت به

فغير صدره، قال: وفي قوله (ترفعن أثوابي) إشارة إلى أن قميصه لا يلصق بجلده لخمصه. وهذا عندهم مدح، لا سيما من كان مثله من أهل النعمة. وقال ابن الاعرابي: يقال: أوفيت رأس الجبل، ووافيت فلانا بمكان كذا. قال ابن


(١) سيبويه ٢/ ١٥٣.
(٢) انظر ص ٢١٨، الشاهد رقم ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>