للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يستطيع جواد بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت ... والأسد أسد الشّرى والبأس محتدم

لا يقبض العسر بسطا من أكفّهم ... سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا

من يعرف الله يعرف أوّليّته ... الدّين من جدّ هذا ناله الأمم

وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم

وذكر القصيدة بطولها. فغضب وأمر بحبس الفرزدق بعسفان، بين مكة والمدينة. وبلغ ذلك علي بن الحسين رضي الله عنه، فبعث إلى الفرزدق بإثني عشر ألف درهم، وقال: اعذر، أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك.

فردّها الفرزدق وقال: يا ابن رسول الله، ما قلت الذي قد قلت إلا غضبا لله عزّ وجل ولرسوله، وما كنت لآخذ عليه شيأ. قال: شكر الله لك، غير أنّا أهل بيت إذا أنفذنا أمرا لم نعد فيه. فقبلها وجعل يهجو هشاما وهو في الحبس. وكان مما هجاه به:

أيحبسني بين المدينة والّتي ... إليها قلوب النّاس يهوى منيبها

يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد ... وعينا له حولاء باد عيوبها

فبعث له وأخرجه. ثم رأيت الزبير بن بكار أخرج في الموفقيات، عن مصعب ابن عبد الله: أن ابن عبد الملك بن مروان حج فقال له أبوه: إنه سيأتيك بالمدينة الحزين الشاعر، وهو زرب اللسان، فإياك ان تحتجب عنه وأرضه. فلما قدم المدينة أتاه، فلما دخل عليه ورأى جماله وفي يده قضيب خيزران وقف ساكتا، فامهله عبد الله حتى ظن أنه قد أراح، ثم قال له: السلام رحمك الله أوّلا، فقال:

عليك السلام، وجه الأمير، أصلحك الله، إني قد كنت مدحتك بشعر، فلما دخلت عليك ورأيت جمالك وبهائك هبتك، فانسيت ما قلت، وقد قلت في مقامي هذا بيتين. قال ما هما؟ فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>