فأظهرت لهم جفوة، فأخذه بغيض بن عامر، وهو يومئذ ينازع الزبرقان الشرف، فبنى عليه قبّة، ونحر له فأكرمه كل الإكرام، فعمل الحطيئة هذه القصيدة فاستعداه الزبرقان الى عمر وادّعى عليه أنه هجاه فقال له: ما قال لك؟ فأنشده القصيدة فقال:
ما أسمع هجاء انما اسمع معاتبة. فقال: وما تبلغ مروءتي الى أن آكل وأشرب؟
فسأل عمر حسان ولبيد: أترونه هجاه؟ قالا: نعم، فحبسه.
وأخرج الزبير بن بكار وأبو الفرج وابن عساكر وغيرهم عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما حبس عمر الحطيئة، كلمه عمرو بن العاص وغيره فيه فأخرجه من السجن فقال:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر؟ (١)
غادرت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر، هداك مليك النّاس يا عمر
أنت الإمام الّذي من بعد صاحبه ... ألقت إليك مقاليد النّهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الخير
فامنن على صبية بالرّمل مسكنهم ... بين الأباطح يغشاهم بها القرر
أهلي فداؤك كم بيني وبينهم ... من عرض داوية تعمى بها الخبر
فبكى عمر، ثم قال: أشيروا عليّ في الشاعر فانه يقول الهجو، ويشبب بالنساء، ويمدح الناس، ويرميهم بغير ما فيهم، ما أراني إلا قاطع لسانه. ثم قال: عليّ بالطست، فأتى بها. ثم قال: عليّ بالمخصف، لا بل عليّ بالسكين، فأتى بها. ثم قال: عليّ بالموسى، فهي أوجى. فقالوا: لا يعود يا أمير المؤمنين! قال: النجاء أذهب. فلما أدبر قال: يا حطيئة، فرجع إليه فقال: كأني بك قد دعاك فتى من قريش
(١) رواية الطبقات ٩٨: (... بذي مرخ - حمر الحواصل ....) وفي ياقوت (مرخ): الرواية المشهورة (بذي أمر) وذو أمر موضع بنجد من ديار غطفان. وانظر الاغاني ٢/ ١٨٦ (الدار).