اغتفلتها، وجميع ما وجهت به في مسألتك هذه خارج عن الأصل المنقول، ولم يذهب إليه أحد من ذوي العقول. وذلك أن الذي ذهب إليه المحصلون من أهل هذه الصناعة هو أن الظروف التي ليست بمتمكنة مثل: عند، ولدن، ومع، وقبل، وبعد، حكمها ألا يدخل عليها شيء من حروف الجر، لعدم تمكنها وقلة استعمالها استعمال الأسماء. وإنما أجازوا دخول (من) عليها توكيدًا لمعناها وتقوية له، ولما لم يجز في شيء منها أن يكون انتهاء إلا بذكر (إلى) لم يجز دخولها عليه تأكيدًا لمعناه، كما كان ذلك في (من)، وقد قدمت أن حكم هذه الظروف ألا يدخل عليها شيء البتة من حروف الجر، للزومها الظرفية وقلة تصرفها. ولولا قوة الدلالة فيها على الابتداء، وقوة (من) على سائر حروف الجر بكونها ابتداءً لكل غاية= لما جاز دخول (من) عليها. ألا ترى أنه قد جاء في كلامهم كون (من) يراد بها الابتداء والانتهاء في مثل: رأيت الهلال من خلل السحاب؟ فخلل السحاب هو ابتداء الرؤية ومنتهاها، فهذا مما يدل على قوة (من) وضعف (إلى)؛ فلذلك أجازوا: من عنده، ومن معه، ومن