الأول الأساس ورفع الثاني الشُّرُفات والذُّرى، وفتح الأول بابَ المعركة وتابع الثاني حتى جنى النصر. فبماذا انتصر صلاح الدين في حطين، وبِمَ استرجع القدس بعدما لبثت في أيدي الصليبيين لا عشرين سنة ولا ثلاثين ولكن أكثر من تسعين؟
إن صلاح الدين انتصر لأنه دعا بدعوة الإسلام، لم يدعُ بدعوة الجاهلية ولا نادى بشعائر الكفار، ولم يرفع راية مذهب باطل ابتدعه أهل الضلال من البشر بل رفع راية القرآن الذي أنزله رب العالمين وخالق البشر، انتصر لأنه ضرب بسيف محمد، وسيف محمد صلى الله عليه وسلم لا ينبو ولا يكِلّ، وسيف محمد صلى الله عليه وسلم لم يضرب به أحدٌ إلا انتصر.
ويوم جاء السيل الطامي من الشرق يقوده هولاكو، يجرف في طريقه المدن والحكومات ويمحو كل ما يمر عليه من مظاهر العمران. وانهارت أمامه بغداد، بغداد العظيمة التي كانت سرّة الدنيا وعاصمة الأرض. مَن وقف أمامه في عين جالوت؟ جيش مصر؟ لا والله، بل وقف أمامه شيخ من دمشق هو قاضي مصر وإمامها، العالم العامل المؤمن العزّ بن عبد السلام، الذي باع المماليك في سوق العبيد يوم كان المماليك أمراء مصر!
هذا الذي وقف في وجهه. لا، بل وقف في وجهه الإيمان الذي أثاره هذا الشيخ في نفوس الجند والأمراء والعامة، وقفت أمامه دعوة الإسلام التي تجد اليوم من أبناء المسلمين من يفزع من ذكرها ويؤذيه سماعها.