لقد عدنا -يا سيدي يا رسول الله- إلى جاهلية شر من الجاهلية الأولى.
أضعنا سلائق العروبة، وأضعنا أخلاق الإسلام، ودعونا بدعوة العصبية، فقال التركي المسلم: أتراك، وقال العربي المسلم: عرب، وقال الكردي المسلم: أكراد؛ ففرقنا بأنفسنا جمعَنا ومزّقنا وَحدتَنا، وهدمنا بأيدينا المسجد الذي بنيته لنا.
الراية التي عقدتها بيمينك، فنصبها الفاتحون من جندك وأتباعك على روابي البيرنيه ورمال التركستان وثلوج روسيا وأسوار فينا وذُرى الهند، لم تعد ترفرف بأجنحة النصر. والجيش الذي حمّلته رسالة الحق والهدى والعدالة، فأبلغها أهل الدنيا جميعاً ونسف في سبيلها عروش الطغاة وداس تيجان الجبارين، وكان حامي الحضارة في الدنيا، لم يبقَ منه إلا سطور على الأرض خُطَّت بدماء الشهداء وسطور في التاريخ كُتبت بمداد الفخار.
قد طُوِيَت -يا رسول الله- راية الفتوح، وصَدِئَت في الأغماد السيوف، وخمدت في النفوس الحماسة، وأقفرت من أبطالنا الميادين، واختُصر الجيش الضخم الذي فتح الأرض وتضاءل وانكمش حتى وسعه ميدان صغير أمام عدو حقير. لقد ذلّ الأسد حتى كُتب عليه أن يقاتل ضَبُعاً منتنة تعيش على جثث الأموات! لقد امتُحن العرب بقتال اليهود. وما كان اليهود أكفاءنا، ولَنحن -على ضعفنا- أقوى من اليهود، ولكنا انقسمنا وتنازعنا وسمعنا نصيحة من غشّنا، حتى غلبَتنا على أرضنا أذل الأمم، غلبتنا بانقسامنا وتنازعنا لا بقوتها وضعفنا.