ولقد صدق ابن القيم رحمه الله حين قرر في كتابه العظيم «الطرُق الحُكميّة» أن جمود الفقهاء وتضييقهم الواسعَ من شرع الله هو الذي دفع الحكام إلى أخذ الأحكام من عند غير المسلمين. ولما كنت أيام الوحدة مستشاراً في محكمة النقض، في القاهرة وفي دمشق، كانت مناقشات بيننا وبين إخواننا المستشارين، فكتبت مقالة في مجلة القانون التي كانت تصدرها وزارة العدل في سوريا عنوانها «حلول قديمة لمشكلات جديدة» استخرجت فيها من كتب الفقه حلولاً لمشكلات يحسبها الناس قد جَدّت الآن، فمَن شاء منكم رجع إليها فاطّلع عليها (١).
إن من مشكلاتنا أننا نمشي مع الناس، لا ننظر أيسيرون في طريق الحق أو في طريق الباطل، نتخذ ذلك سنة لنا في حياتنا الفردية وفي حياتنا العامة، حتى إننا أخذنا من غيرنا مبدأ اتّباع الأكثرية ولو كانت على ضلال.
إن مما يعوقنا عن سلوك سبيل الشرع هو اتّباع الناس. وأنا لا أقول لكم خالفوا الناس واخرجوا عن مألوف العادات، فإذا لبس الناس الحذاء بأرجلهم علقتموه أنتم بأعناقكم، وإذا ناموا على الفراش ناموا أنتم في مغطس (بانيو) الحمّام، ولا أقول لكم: إذا رأيتموهم يمشون إلى اليمين فامشوا أنتم إلى اليسار لتخالفوهم!
بل أقول لكم: اجعلوا الدين هو المقياس، فإن رأيتم الناس يمشون في طريق الحرام فلا تمشوا معهم، ولا تحتجّوا بالأكثرية