بجلود مدهونة بمادة لا تؤثّر فيها النار، فجاء جندي إلى رئيس مهندسي صلاح الدين (القائد الأمين والمهندس العظيم الذي افترت عليه كتب الأدب فظلمته، وهو قراقوش) وقال له: أنا أستطيع أن أصنع لكم ناراً تحرق هذا البرج. وطلب مواد ركّب بعضها مع بعض وصبّها في قُدور وأحكم إغلاقها، فصارت مثل القنابل في هذه الأيام، ثم ألقوها على ذلك البرج فانفجرت بدويّ كالرعد واحترق البرج.
هل تظنون أن المسلمين تركوه وقعدوا ينظرون إليه ويهتفون الهتافات الحماسية وينشدون الأناشيد العسكرية؟ لا، بل سحبوه بالحبال وبالكلاليب واستفادوا مما كان فيه من قناطر الحديد.
ولا تعجبوا أن يستفيد القوّاد الكبار من عبقريات العامة ومن كفاءاتهم، فهذا صلاح الدين انتبه هو وغيره من القادة إلى أن الجندي ليس الذي يقاتل في الميدان فقط، بل إن كل جندي في الميدان وراءه عشرة ينبغي أن يعملوا ليستطيع هو القتال، فحشد صلاح الدين (ومن قبله نور الدين) جميع الطاقات، بل لقد استفاد حتى من اللصوص، إذ أحضرهم وقال لهم: ألا تريدون أن تسرقوا؟ اسرقوا لي وأنا أدفع لكم!
فهل تعرفون ما الذي كانوا يسرقونه؟ كانوا يسرقون قادة الصليبين! ومِن الذين سرقوهم جوسلان، أحد أبطالهم الكبار الذين دوّخوا المسلمين؛ تسلل إليه اللصوص وكمّموه بملاءة فيها مخدّر فلم يُفِق إلا وهو بين يدي صلاح الدين!